الناجون من الضربة الإسرائيلية على المدرسة في غزة: جثث الأطفال أخرجت مقطّعة من تحت الركام

قضايا عربية ودولية 2024/06/10
...

 ملك تنتيش وإيما غراهام هاريسون
 ترجمة: الصباح

وصف الناجون من ضربة جوية إسرائيلية استهدفت مدرسة تابعة للأمم المتحدة في وسط غزة كيف جرى البحث عن جثث الأطفال التي مزقها الانفجار تحت وقع استمرار الهجمات الإسرائيلية لليلة الثانية.
قال محمود بصل، رئيس قسم الدفاع المدني في غزة،: إن الفرق التابعة له لم تعثر بين القتلى في مدرسة الصردي بالنصيرات على أحد غير المدنيين، وأضاف أن إحصائية القتلى جرَّاء الهجوم كانت أكثر من 40 ضحية ولا يزال الرقم في تصاعد لأن الجرحى والمصابين من الناجين لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة.
أما الجيش الإسرائيلي فقد ادعى أنه كان يستهدف 20 أو 30 مسلحاً زعم أنهم يستخدمون المدرسة بمثابة قاعدة لهم وأنه لا علم له بوقوع إصابات بين المدنيين. كذلك أعطى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أسماء عضوين من حركة حماس وسبعة أسماء أخرى لأعضاء في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني زعم أنهم لقوا حتفهم في تلك الغارة.
هذا الهجوم كان جزءاً من الحملة التي تشنُّ على أجزاء من وسط غزة استهدفتها القوات البرية الإسرائيلية في مرحلة سابقة من مراحل الحرب ثم انتقلت إلى أنحاء أخرى، بيد أنها عادت إليها عندما لجأت خلايا من المقاتلين إلى تطبيق تكتيكات حرب المتمردين ضد القوات الإسرائيلية.
قتل ما لايقل عن 15 شخصاً جرَّاء الغارات الجوية على هذه المنطقة يوم الخميس الماضي، وفقاً لوكالة رويترز، وفي جنوبي رفح قتل الجنود الإسرائيليون شخصين آخرين على الأقل أثناء توغلهم غرباً.
ترك مازن جودة، وهو مدرّس رياضة يبلغ من العمر 45 عاماً يسكن في النصيرات، مسكنه لمدة شهرين في مطلع هذا العام نجاة بنفسه من الغزو البري قبل أن يضطر للعودة إليه لاحقاً، وهو الآن يتساءل إن كان سيضطر إلى الرحيل مرة أخرى.
يقول مازن: “ها هي الأوضاع تزداد سوءاً من جديد، وليلة الهجوم على المدرسة كانت من أصعب ما مررنا به .. لم نتمكن من النوم حتى الصباح وسط كل ذلك القصف”.
كان صوت قصف المدرسة عالياً إلى درجة أصابت أطفال مازن بالذعر وجعلتهم يهرعون إلى غرفة والديهم للاحتماء بهما.. وعندئذ تعالى صراخ المصابين. في الصباح التالي قصد مازن المدرسة التي تقول الأمم المتحدة إن 6000 شخصاً كانوا قد لجؤوا اليها.
كانت هناك ثلاثة صفوف دراسية مصابة في الطابق الأرضي وثلاثة صفوف أخرى في طابق ثانٍ، وكان الناجون الذاهلون يتحركون هنا وهناك في ساحة يتناثر فيها حطام البناء. أحد هؤلاء رجب، الذي كان لا يزال مستيقظاً يتحدث مع أصدقائه عندما ضربت القذيفة البناء وانهارت الغرفة التي هو فيها.
يقول رجب: “لم ندرِ ما الذي حدث إلى أن جاء بعض الشبان وراحوا يحفرون لإخراجنا من وسط الركام ويحملوننا إلى الطابق الأسفل. بعد ذلك بلغني نبأ مقتل شقيقي الصغير الذي لا يتعدى عمره 10 أعوام، عثروا عليه ممدداً عند باب أحد الصفوف وهو بلا قدمين ولا كفين. كذلك أصيبت شقيقتي وأصبت أنا بالشظايا في يدي وقدميّ”.
يسكن هشام شلبي في مبنى قبالة المدرسة، وعندما علم أنها قد استهدفت هبّ لمدّ يد المساعدة. يقول أنه حمل جثة رجل لقي مصرعه في الغارة، وكذلك أشلاء طفل ممزقة.
يحذر المسعفون الطبيون من أن مستشفيات وسط غزة قد خرج الأمر عن سيطرتها بسبب اكتظاظها بالمصابين جرَّاء غارات الأيام الأخيرة، وأن العملية الإسرائيلية في الجنوب قد حالت دون إخلاء المصابين خلال شهر كامل.
يقول محمود بصل: “أفادت تقارير فرقنا التي تعمل في الموقع بأن القتلى جميعاً من المدنيين والعوائل وأنهم كانوا نياماً. نحن لم نر مطلقاً ما يشير إلى أنهم كانوا عسكريين أو من المقاومين”.
يقول منير سرور، وهو لاجئ ممن لاذوا بالمدرسة حتى أفاق من نومه على صوت الانفجار: “على مقربة مني كان هناك شخص يصرخ وينادي - يا رب - حتى أسلم الروح، وإلى جواري رجل آخر ينزف بشدّة من ساقه المصابة”.
يمضى منير مضيفاً: “ألم يخبرونا بالتوجه إلى المدارس طلباً للملجأ لأنها أماكن آمنة؟ لقد ذهبنا بالفعل إلى هذه المدرسة فإذا بنا نتعرض للخطر. متى سيكتفون؟”
يقول “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمم المتحدة : إن الهجوم على المدرسة مثال مروّع آخر على فداحة الثمن الذي يتحمله المدنيون أثناء محاولتهم النجاة من الغارات الإسرائيلية، فهم يرغمون على البقاء متنقلين من مكان إلى آخر في دائرة موت من نوع ما داخل غزة محاولين العثور على مأمن.
حثَّت الولايات المتحدة إسرائيل على إبداء الشفافية التامة بشأن الضربة، قائلة إن الحكومة قد وعدت بتقديم مزيد من المعلومات. أما القذائف التي استخدمت في هذا الهجوم  فهي من النوع نفسه الذي استخدم لضرب أهداف قرب مخيم ثانٍ للاجئين في الأسبوع الماضي فأحدثت حريقاً وأدت إلى مقتل 45 شخصاً على الأقل.
وقد دعا النائب العام الإسرائيلي الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيق حكومية لتقصِّي وقائع الحرب في غزة من أجل التصدي لما أسماه المخاطر القانونية الدولية الراهنة بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية أمراً إلى اسرائيل بإيقاف عمليتها في رفح والسماح بدخول مزيد من المساعدات إلى القطاع. من جهة أخرى قدم المدعي العام في محكمة العدل الدولية كريم خان طلباً لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، الذي رفض طلب المدعي العام قائلاً : إن الوقت لم يحن بعد.
أدت الهجمات الإسرائيلية حتى الآن إلى مقتل ما يقارب 37 ألف فلسطيني في غزة، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع، وهناك أكثر من مليون شخص غيرهم على حافة المجاعة، كما يعاني الجميع من وطأة الجوع. معظم سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2,3 مليون شخص أجبروا على ترك منازلهم والفرار.
بدأت هذه الحرب في أعقاب هجوم عبر الحدود نفذته حركة حماس على إسرائيل قتل المسلحون الفلسطينيون خلاله نحو 1200 شخصاً وأخذوا 250 أسيراً عادوا بهم إلى غزة.

* عن صحيفة الغارديان