غفران حداد
منذ عقد الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، ازدهرت صناعة الدراما البدويَّة بإنتاج أردني وسوري وخليجي وارتفعت نسب مشاهدتها بين الجمهور العربي، مَن مِنا لا يتذكر مسلسلات {عيون ترقب الزمن، بين الوديان، جواهر، الغريب، رأس غليص، آخر الفرسان} وغيرها العشرات من الأعمال التي بقيت في ذاكرة الجمهور، الذي وصف اليوم {جيل الزمن الجميل} ليصبح هذا الجنس من الفن في ذاكرة الأرشيف.
لقد كانت الخيمة والصحراء والرمال والخيل وصوت عزف الربابة وصنع القهوة المُرّة والتجمع حول شعلة النار تفاصيل عرفها المشاهدون في الماضي، إلا أن هذه المسلسلات باتت تختفي شيئا فشيئا، نتيجة أحداث الدراما البدويَّة تشد المُشاهد من صراعات وحقد وضغينة تتجلى بين أفراد القبائل المتنافسة، أيضا تسليط الضوء على جوانب من القصص العشق البدوي.
لو نتصفح تاريخ الدراما البدويَّة في لبنان سنجد أكثر من 40 عاماً مرت على تقديم أول دراما بدويَّة، كان بعنوان "فارس ونجود" للمخرج ايلي سعادة في عام 1974، إذ أبدع الكاتب نزار مؤيد العظم في حبكة أحداث المسلسل حول قبيلتين متصارعتين هما قبيلة الشيخ متعب وقبيلة الشيخ طرّاد.
وفي عام 1968 حين بدأ بث التلفزيون الأردني دارت عجلة الانتاج والمسلسلات البدويَّة وكان صنَّاع الدراما هناك قدموا طابعاً درامياً مغايراً عما كان يقدم في السينما السورية والمصرية واللبنانية عن البداوة مثل "وضحه ابن عجلان، 1975" الذي يعد أول مسلسل بدوي يتم انتاجه على الشاشة الاردنية.
وبمرور الأعوام وبعد أحداث سياسية عربية عدة مثل الحرب الأهلية في لبنان - حيث أوقف الانتاج هناك أيضا في المدة الممتدة من 1978 الى 1990 وبعد المقاطعة العربية لمصر وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد- انتعشت السوق الأردنية الفنية ليشهد أجمل المسلسلات البدوية التي تعكس الهوية الوطنيّة، حيث الولاء للشيخ والقبيلة واحترام عادات وتقاليد وجد الناس في قصصها قريباً من حياتهم البسيطة. لكن الدراما البدوية رغم ازدهارها لوقت طويل بدأ ينحسر انتاجها بشكل واضح، واصبحت اللهجة والبيئة والمضامين الصحراوية تتقاطع بين متابعيها مع تسيّد المسلسلات التركية المدبلجة في الساحة الفنيّة وأصبحت شاغلة الناس والشباب بجميع الفئات العمريَّة.
وربما غياب أو انحسار انتاج المسلسلات البدويَّة يبدو طبيعياً لدى البعض من صنّاع الدراما، مثلما حدث مع غياب الأعمال الدينيّة والتاريخيّة والملحميّة نتيجة شغف الجمهور لمتابعة الأعمال الاجتماعية المعاصرة، خصوصاً أن بعض المخرجين قدموا محاولات أثبتت فشلها وقلة جودتها من الدراما البدويّة، أيضا هناك عوائق كثيرة في طريقها مثل تكلفة انتاجية عالية تجعل المنتجين يعزفون عنها، كما أن كتّابها لا بدَّ أن يكونوا مختصين بهذا النوع من الأعمال، ولديهم ثقافة واطلاع بالواقع الحقيقي للحياة واللهجة والذين قل وجودهم في هذا الجيل.
من المسلسلات البدويَّة التي بقيت في ذاكرة الجمهور اللبناني والعراقي والخليجي بشكل خاص كان "الغريبة" الذي عرض مطلع عام 1981 في الأردن وبقية المدن العربيّة. وأحداثه تدور في المجتمع البدوي حول شخصية "بطيحان - زهير النوباني" الانتهازية التي تسعى لتحقيق الثروة والسلطة، حيث يقتل ويسلب ويسرق ويتآمر مع أعداء القبيلة غاية في تحقيق رغباته الشخصية، ويكون ذا شأن بين أبناء وشيوخ القبائل البدويّة.
العمل حمل بصمة توقيع المخرج محمد عزيزيه، وقصة صقر فهد، وسيناريو وحوار أديب السيد بمشاركة نخبة من نجوم التمثيل أمثال "آمال عفيش، محمود أبو غريب، ريم سعادة" وآخرين عشّاق المسلسلات البدويّة نجد حضورهم عبر نسب مشاهدة عالية لهذا الصنف من الأعمال عبر منصّة "اليوتيوب" وصفحات التواصل الاجتماعي، وهم يشتاقون لأعمال اصبحت من الأرشيف ويتوق البعض لإعادة تقديمها في الموسم الرمضاني من كل عام، خاصة بعض الملل الذي ينتابهم من القصص المستهلكة التي تتسيّد الشاشات على مدار العام.
في عام 2007 كانت هنالك محاولات خجولة لإحياء الدراما البدوية الأردنية حيث عرض مسلسل "نمر بن عدوان" تأليف مصطفى صالح وإخراج بسّام المصري، كان العمل يتكئ على قصة حقيقية وأصبحت جزءاً من الذاكرة الشعبية للعشائر البدويّة في الجزيرة العربية وبلاد الشام.
المسلسل تدور أحداثه حول حياة الشاعر والفارس العربي "نمر بن عدوان" الذي عاش في القرن التاسع عشر بمنطقه البلقاء في الأردن. لقد أبدع السيناريست صالح في تقديم النص كما أجمع النقاد على أنه السبب الأول في نجاح العمل.