خارطة مكاسب اليمين المتطرّف بانتخابات أوروبا
بروكسل: وكالات
حققت الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف (أقصى اليمين) مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي أمس الأول الأحد، محدثة زلزالا سياسياً في فرنسا، وزيادة حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاتجاه السياسي لأوروبا، لكن من دون الإخلال بالتوازن السياسي في بروكسل. وجاءت هذه الأحزاب بالمركز الأول في فرنسا وإيطاليا والنمسا، وحلت ثانية في ألمانيا وهولندا.
ورغم أن من المتوقع أن تحصل كتل الحزب الشعبي الأوروبي (يمين) مع الاشتراكيين والديمقراطيين و»تجديد أوروبا» (وسطيون وليبراليون) المؤيدة لأوروبا على أغلبية في البرلمان المؤلف من 720 مقعداً، ولكن أحزاب أقصى اليمين، حصدت حصة أكبر من المقاعد، مما قد يجعل من الصعب على أوروبا تمرير التشريعات واتخاذ القرارات، كما وجهت الانتخابات ضربة في الداخل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، مما أثار تساؤلات حول الكيفية التي ستوجه بها القوى الكبرى في الاتحاد الأوروبي العملية السياسية داخل التكتل.
ومع 181 مقعداً متوقعاً للحزب الشعبي الأوروبي و135 للاشتراكيين والديمقراطيين و82 لـ»تجديد أوروبا»، تشكل هذه الكتل «الائتلاف الكبير» الذي ستحصل في إطاره التسويات في البرلمان الأوروبي، مع جمعها 398 مقعداً من أصل 720. إلا أن هذه الغالبية ستكون أقل مما كانت عليه في البرلمان المنتهية ولايته.
وتنقسم القوى اليمينية المتطرفة بشكل أساسي إلى كتلتين في البرلمان الأوروبي، ولكن يمكن إعادة تشكيلهما في أعقاب الانتخابات.
أما كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين التي تضم خصوصاً حزب «إخوة إيطاليا» (فراتيلي دي إيتاليا) بزعامة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني وحزب القانون والعدالة البولندي، فقد فازت بمقعدين إضافيين وفق التقديرات.
وارتفع عدد مقاعد كتلة الهوية والديمقراطية التي تضم حزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب الرابطة الإيطالي، من 49 إلى 62 مقعداً. وقد استبعدت الكتلة مؤخراً حزب البديل من أجل ألمانيا من صفوفها.
وجرت الانتخابات التي دُعي إليها أكثر من 360 مليون ناخب لاختيار 720 عضواً في البرلمان الأوروبي، يوم الخميس الماضي، في مناخ مثقل بالوضع الاقتصادي القاتم والحرب في أوكرانيا، وفي وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي تحديات ستراتيجية من الصين والولايات المتحدة.
زلزال فرنسا
في فرنسا، تصدر حزب التجمع الوطني بقيادة غوردان بارديلا النتائج بنسبة تزيد على 31.5 بالمئة من الأصوات، متقدماً بفارق كبير على حزب النهضة الذي يتزعمه الرئيس ماكرون (15.2 بالمئة)، بحسب تقديرات معاهد الاستطلاع. وبذلك سيحصل حزب التجمع الوطني على 31 من أصل 81 مقعداً فرنسياً في البرلمان الأوروبي.
وبينما وصفت زعيمة أقصى اليمين الفرنسي مارين لوبان النتائج الأولية بالتاريخية، وقالت إنها مستعدة لانتخابات جديدة في فرنسا، قال ماكرون :إن هذه النتائج ليست جيدة لحكومته وللأحزاب التي تدافع عن أوروبا، وأعلن حل الجمعية الوطنية (البرلمان) وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة للدورة الأولى في 30 حزيران الجاري، والدورة الثانية في السابع من تموز المقبل.
وقال ماكرون في خطاب متلفز قصير: «نتائج الانتخابات الأوروبية لم تكن مرضية للأحزاب التي تدافع عن أوروبا، بما في ذلك حزبنا. أحزاب اليمين المتطرف تتقدم في فرنسا. صعود القوميات والديماغوجيين هو خطر على أمتنا وأيضاً على أوروبا وعلى مكانة فرنسا في أوروبا وفي العالم».
وبحصوله على ما بين 31,5 إلى 32 بالمئة من الأصوات وفقاً لمعهدي «إبسوس» و»إيفوب»، وجه حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف بزعامة جوردان بارديلا ضربة قوية في الانتخابات الأوروبية، محققاً أفضل نتيجة له في انتخابات وطنية، وسيساهم بشكل حاسم في صعود قوة المعسكر القومي والسيادي في البرلمان الأوروبي.
أما القائمة الماكرونية بزعامة فاليري هاير عضو البرلمان الأوروبي - المنتهية ولايتها وغير المعروفة لدى عامة الناس - فتراجعت وحصلت على نحو 15 بالمئة، يليها الاشتراكي الديمقراطي رافاييل غلوكسمان (44 عاماً) الذي سجل ما بين 14 و14,3 بالمئة أي أكثر من ضعف نتيجته في عام 2019.
ولتبرير هذه الانتخابات المبكرة، قال ماكرون : إن فرنسا «بحاجة إلى غالبية واضحة للعمل في هدوء ووئام»، مشدداً على أنه «سمع» رسالة الفرنسيين ومخاوفهم. وقال «لن أتركهم دون إجابة».
وتشكل نتيجة الانتخابات الحالية ضربة قاسية لماكرون الذي وصل إلى السلطة عام 2017 مع وجود رغبة لديه في تعزيز النفوذ الفرنسي داخل الاتحاد الأوروبي، ومع وعد بالقضاء على التطرف على الساحة الوطنية.
في ألمانيا، ورغم الفضائح الأخيرة التي طالت رئيس قائمته، احتل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف المركز الثاني بنسبة 16.5 بالمئة من الأصوات، خلف المحافظين (29.5 إلى 30 بالمئة). لكنه تقدم بفارق كبير على حزبي الائتلاف الحاكم، الاشتراكيين الديمقراطيين (14 بالمئة) والخضر (12بالمئة).
الزعيمة الإيطالية
وفي إيطاليا، تصدّر حزب «إخوة إيطاليا» اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، بحصوله على ما لا يقل من 27 بالمئة من الأصوات، وفق استطلاعات نشرت بعد إغلاق صناديق الاقتراع.
وحل الحزب الديمقراطي (يسار الوسط)، حزب المعارضة الرئيسي، في المرتبة الثانية بحصوله على أكثر من 23 بالمئة، تليه حركة 5 نجوم الشعبوية بقيادة رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي بنسبة تناهز 11 بالمئة، وفق الاستطلاعات التي أجريت لصالح وسائل الإعلام الإيطالية الرئيسية.
وحصل شريكا ميلوني في الائتلاف الحكومي، حزب الرابطة المناهض للمهاجرين بزعامة ماتيو سالفيني وحزب فورتسا إيطاليا المحافظ الذي أسسه سيلفيو برلسكوني، على ما بين 8 بالمئة و10 بالمئة من الأصوات.
وسعت ميلوني، رئيسة القائمة، أن تكون هذه الانتخابات استفتاء على شخصها، من خلال مطالبة الناخبين بأن يكتبوا ببساطة اسم «جورجيا» على بطاقات اقتراعهم، وبالتالي يأتي فوزها المعلن هذا، إذا تأكد، ليرسخ نسبة الـ26 بالمئة التي حصلت عليها في الانتخابات التشريعية لعام 2022 وأوصلتها إلى السلطة.
ومنذ وصولها إلى رئاسة الوزراء في تشرين الأول 2022، تمكنت ميلوني من الحفاظ على إجماع بشأن شخصها، خصوصاً بفضل الانقسامات بين معارضيها.
إضافة إلى ذلك، يشكل التقدم الذي أحرزته مقارنة بالانتخابات الأوروبية لعام 2019 أمراً لافتاً، ذلك أن حزب «إخوة إيطاليا» لم يحصل آنذاك سوى على 6,44 بالمئة من الأصوات. في ذلك الوقت، كان حزب الرابطة بزعامة سالفيني المشكك في الاتحاد الأوروبي والمتحالف مع حزب التجمع الوطني الفرنسي في البرلمان الأوروبي، هو الذي حصل على حصة الأسد (34,26 بالمئة).
ليالي فيينا اليمينية
أيضاً في النمسا، حصل «حزب الحرية» اليميني المتطرف على 25.7 بالمئة من الأصوات وفقاً لنتائج شبه كاملة نشرتها وسائل الإعلام مساء الأحد، يليه مباشرة حزب «أو في بي» المحافظ (24.7 بالمئة)، ثم حزب «إس بي أو» الاشتراكي الديمقراطي (23.2 بالمئة). وحصل حزب الخضر من جهته على 10.7 بالمئة.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب الحرية النمساوي قد فاز بثلاثة مقاعد فقط في البرلمان الأوروبي في انتخابات عام 2019، وهو رقم يُتوقع أن يتضاعف في البرلمان الجديد.
وصرح زعيم الحزب هربرت كيكل، أمام مناصريه في فيينا: «لقد كتب الناخبون صفحة من التاريخ»، متحدثاً عن «رغبة في بدء حقبة سياسية جديدة في النمسا وأوروبا».
وعند وصوله إلى رئاسة الحزب عام 2021، تمكن كيكل من استمالة الناخبين خصوصاً من خلال خطابه «المعارض للّقاحات» خلال جائحة كوفيد-19، في بلد شهد اتخاذ إجراءات صحية صارمة بلغت حد منع الأشخاص الذين لم يتلقّوا تطعيمات من الخروج من منازلهم.
وبشأن الحرب في أوكرانيا، يدافع السياسي البالغ 55 عاماً عن «حياد» النمسا، منتقداً الدعم المقدّم لأوكرانيا والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو.
وبعد هذا النجاح في الانتخابات الأوروبية، يأمل حزب الحرية بالفوز في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في نهاية أيلول المقبل، من دون وجود ما يضمن له العثور على شركاء كي يتمكن من الحُكم.
متطرفون وعواصم
كما عزز الهولنديون الذين كانوا أول من أدلوا بأصواتهم الخميس، موقف حزب خِيرت فيلدرز اليميني المتطرف.
وفي إسبانيا، أظهرت النتائج الرسمية حصول الحزب الشعبي اليميني، التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية، على نحو 34 بالمئة من الأصوات و22 مقعداً في البرلمان الأوروبي، مقارنة بنحو 30 بالمئة من الأصوات و20 مقعداً للاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وحقق حزب فوكس اليميني المتطرف تقدماً بحصوله على 6 مقاعد.
وفي اليونان حصل حزب الديمقراطية الجديدة اليميني بزعامة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على 27.85 بالمئة من الأصوات و7 مقاعد في البرلمان الأوروبي، وهو ما يظهر وجود فجوة كبيرة مع حزب سيريزا اليساري بقيادة ستيفانوس كاسيلاكيس الذي حصل على 14.93 بالمئة (4 مقاعد)، يليه حزب باسوك الاشتراكي (12.91 بالمئة، 3 مقاعد).
وفي سلوفاكيا حقق الحزب الليبرالي المعارض مفاجأة بفوزه في الانتخابات الأوروبية ضد حزب «سمير-إس دي» الاشتراكي الديمقراطي بزعامة رئيس الوزراء روبرت فيكو، ذي الميول المؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي ثاني فوز على التوالي يحققه في الانتخابات الأوروبية، حصل حزب سلوفاكيا التقدمية على 27.81 بالمئة من الأصوات، مما يمنحه 6 مقاعد في البرلمان الأوروبي، وفقاً للنتائج التي نشرتها الصحافة السلوفاكية. وسيكون لحزب «سمير-إس دي» الذي حصل على 24.76 بالمئة من الأصوات، 5 نواب في بروكسل. وحل حزب «ريبابليكا» اليميني المتطرف ثالثا بحصوله على نسبة 12.53 بالمئة من الأصوات، وسيكون له ممثلان في البرلمان الأوروبي.
وفي البرتغال تصدرت المعارضة الاشتراكية نتائج الانتخابات الأوروبية، متقدمة بفارق طفيف على الائتلاف الحكومي اليميني المعتدل الذي فاز بفارق ضئيل في الانتخابات التشريعية المبكرة في آذار الماضي، وفق النتائج الرسمية شبه الكاملة.
وبحسب النتائج التي شملت جميع الدوائر الانتخابية، حل حزب تشيغا اليميني المتطرف في المركز الثالث بحصده 9.8 بالمئة من الأصوات، وهي نتيجة أدنى بكثير عن حصيلته في الانتخابات التشريعية (18 بالمئة).
وفي المجر حل حزب رئيس الوزراء القومي فيكتور أوربان الذي وصف الانتخابات الأوروبية بـ»التاريخية»، في المركز الأول، لكنه سجل تراجعاً واضحاً، بحسب النتائج الجزئية التي نشرت في المساء. وحصل حزب فيدس على أكثر من 43 بالمئة من الأصوات، بناء على فرز 60 بالمئة من الأصوات، مقارنة بـ52.5 بالمئة في الانتخابات السابقة عام 2019.
وفي فنلندا، تراجعت شعبية «حزب الفنلنديين» اليميني المتطرف المشارك في الائتلاف الحكومي بحصوله على 7.6 بالمئة من الأصوات، أي بانخفاض قدره 6.2 بالمئة، ولن يحصل إلا على مقعد واحد.
وفي السويد، حقق حزب الخضر تقدماً بحصوله على 15.7 بالمئة من الأصوات، بزيادة قدرها 4.2 نقاط، وفق استطلاع لآراء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع أجرته قناة «إس في تي» التلفزيونية. وتقدم «حزب اليسار» أيضا (+4 نقاط إلى 10.7 بالمئة)، بينما سجل اليمين المتطرف الذي يمثله «حزب ديمقراطيي السويد» تراجعاً بمقدار 1.4 نقطة إلى 13.9 بالمئة. وحافظ الاشتراكيون الديمقراطيون على موقعهم في المقدمة بنسبة 23.1 بالمئة.
أما في بولندا، فقد حصل الحزب الوسطي المؤيد لأوروبا بزعامة رئيس الوزراء دونالد تاسك على 38.2 بالمئة من الأصوات، مما يمنحه 21 مقعداً في البرلمان الأوروبي، وحل حزب القانون والعدالة القومي الشعبوي ثانياً بحصوله على 33.9 بالمئة، مما يمنحه 19 مقعداً في بروكسل.
انقسام وخلافات
لكن اليمين المتطرف منقسم في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين لا يزال تقاربهما غير مؤكد بسبب خلافات كبيرة بينهما، خاصة في ما يتعلق بروسيا.
ويرى سيباستيان ميلر من معهد «جاك ديلور» أن «أصوات اليمين المتطرف واليمين السيادي لا يمكن جمعها معاً، وهذا سيحد من وزنهما المباشر في المجلس التشريعي».
ويضيف، أن صعود اليمين المتطرف «الواضح خصوصاً في فرنسا، سيؤثر حتماً في المناخ السياسي الذي تعمل فيه المفوضية، وسيتعين على الغالبية أن تأخذ ذلك في الاعتبار»، ويحذر المحلل قائلاً: «في حال الفشل في التأثير بشكل مباشر، سيكون اليمين المتطرف قادراً على التأثير بشكل خبيث».
وبينما يتبنى أعضاء البرلمان الأوروبي تشريعات بالتنسيق مع الدول الأعضاء، يمكن لليمين المتطرف أن يجعل صوته مسموعاً في القضايا الحاسمة: الدفاع ضد روسيا التوسعية، والسياسة الزراعية، والهجرة، والهدف المناخي لعام 2040، ومواصلة التدابير البيئية
التي يرفضونها بشدة.
وتبقى الغالبية مشكّلة من أحزاب «الائتلاف الكبير» الوسطي الذي يضم اليمين (حزب الشعب الأوروبي)، والاشتراكيين الديمقراطيين، والليبراليين (التجديد)، الذي تحصل عادة في إطاره التسويات في البرلمان الأوروبي.
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ليل أمس الأول الأحد، أن «حزب الشعب الأوروبي هو أقوى مجموعة سياسية، وهذا مهم، سنبني حصناً ضد متطرفي اليسار واليمين، وسنوقفهم».
وفون دير لاين مرشحة لشغل المنصب مجدداً، ويتعين عليها الحصول على موافقة زعماء الدول الأعضاء ثم غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي الذين منحوها ثقتهم في عام 2019 بغالبية ضئيلة للغاية (9 أصوات).