علي حسن الفواز
ما تكشفه الحروب يبدو أكثر بشاعة مما تكشفه السياسة، لأن الحرب هي سياسة أخرى، لها أقنعة متعددة، وأنماط وإجراءات ومؤسسات تجعل منها صالحة للاستعمال، وجاهزة للخدمات وتحت الطلب.
هذا ما تفعله الولايات المتحدة، وهو تواصل دعمها السياسي واللوجستي للعدوان الصهيوني على غزة، فتحت يافطة «الحماية السياسية» تتحول الحرب إلى موقف، وإلى ممارسات تقوم على أساس تحويل الجريمة إلى «حق» وتحويل «الحق» إلى إرهاب، فما يجري في غزة وفي مخيم النصيرات وفي رفح، يفضح تلك السياسة الأميركية، ويجعل من دعمها المتواصل للكيان الصهيوني نوعا من الحمق الذي يتجاوز فيه «السياسيون» كل القيم والأخلاق والأعراف الدولية.
ففي الوقت الذي تفقد فيه الولايات المتحدة كثيرا من قواعدها في العالم بسبب التغيّرات السياسية الرافضة لها، كما في تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى، وكذلك في أميركا الجنوبية، وهو دليل على فشل سياساتها، فإن رهانها على استمرار سياسة «صناعة العدو» تظل هي اللعبة الخبيثة التي تجعل من السياسة الأميركية محط شك وريبة، وربما بات الكثيرون لا يثقون بها، وبإجراءاتها، وبمواقفها الحقوقية والأمنية، ولعل آخرها هو العمل على فرض عقوبات على «المحكمة الجنائية الدولية» في حال قامت هذه المحكمة بإصدار قرار اعتقال مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني، كما أن إجراءاتها البطيئة والمثيرة للجدل بشأن ما يجري في غزة تثير الشكوك حول نواياها، وحول دوافعها التي تعمل على إيجاد غطاء عسكري وسياسي للصهاينة، لكي يواصلوا ارتكاب الجرائم البشعة، كما حدث مؤخرا في جريمة مخيم النصيرات الفلسطيني، التي راح ضحيتها المئات، وسط سكوت دولي وأميركي، والتي رسخت في الأذهان هوية «العار الصهيوني» الذي دفع بكثير من القيادات السياسية والعسكرية في الكيان إلى الاستقالة، لأن ما جرى كشف عن الرثاثة، وعن الإخفاق والفشل، ليس في إدارة المعركة فحسب، بل في تضخم حجم الإحباط لدى الصهاينة وهم يتورطون أكثر في جرائم الحرب، وفي أن يكونوا جزءا من قائمة العار التي أعلنها الأمين العام للأمم المتحدة، وهذه الاستقالات العاصفة في الكيان ليست إلا محاولة للهروب من «المركب الغارق» الذي تعيش هواجسه «حكومة نتن ياهو» التي تجد في الجريمة إصرارا على جرائم الإبادة وعلى العقل العنصري الذي يتحكم بالسياسة والحرب، حيث تحولت محرقة العدوان إلى عار دولي، وعار أميركي، مثلما هو عار صهيوني سيلاحق مجرمي هذه المحارق إلى الأبد.