الخيط الرفيع بين السرد الروائي والدراما

الصفحة الاخيرة 2024/06/12
...

زيد الحلي

غداً تبدأ فعاليات مؤتمر القصّة الخامس الذي يقيمه اتحاد الأدباء والكتاب في النجف الأشرف، ويتناول مؤتمر هذا العام، موضوعا  مهما، ظلَّ بعيداً عن المناقشات والدراسات الموضوعيَّة، وهو "علاقة السرد القصصي بالدراما العراقيّة".. فتحت هذا العنوان الثقافي، ستطرح خلال يومين، وهي مدة انعقاد المؤتمر، دراسات بحثية ذات صلة بشعاره، تعقبها مناقشات يشارك فيها العديد من المختصين بالسرد القصصي، والاخراج التلفزيوني والسينمائي، وبحضور نخبوي من المثقفين..
إنّ مبادرة اتحاد الأدباء والكتاب في النجف الأشرف في مناقشة هذه الجزئية الثقافية، والتي حظت بدعم الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، تشكل علامة وعي راجح بموضوعة السرد القصصي وعلاقته بالدراما العراقية، وأهمية ذلك تأتي من كون السرد هو عالم خاص تشكله رؤية القاص، بينما الدراما هي عالم العيون والأسماع يشكله المخرجون وكتاب السيناريست.. وهذا الخيط المشترك الرفيع، سيتناوله المؤتمر..    
إنّ المتلقي فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الأدب والشاشة تعود إلى فترة ذهبيّة تحوّلت فيها أعمال أدبيّة كبيرة لأفلام ومسلسلات ترسّخت في الذاكرة كوجهين لعملة واحدة، والشاشة  العربيّة والعالميّة في الماضي استقطبت أعمالاً أدبيّة شهيرة لكتاب عرب وأجانب مثل نجيب محفوظ، ويحيى حقي، وتوفيق الحكيم،  ودستويفسكي، وإميلا زولا، وألبير كامو، لكن حماس الشاشة العراقية نحو السرد العراقي، اتسم بنوع من الفتور، وطرحت مجموعة محدودة من الروايات كأعمال فنية، مثل فيلم "سعيد افندي" لإدمون صبري، و"العاشق" لعبد الخالق الركابي، و"الاسوار" لعبد الرحمن الربيعي  و"سر القوارير" لعبد الستار البيضاني و"اللعبة" ليوسف الصائغ وغيرها، وهي قليلة جدّاً، مع العطاء السردي العراقي الكثير..
وباختصار يمكنني الاشارة هنا إلى ضرورة إتاحة الحرية الكاملة للسيناريست والمخرج في التصرّف بالنص الأدبي، شريطة عدم الإخلال بالمضمون والهبوط بالمستوى الفني للنص الأدبي، وان ذلك الأمر عائد لسببين، أولهما تباين اللغة بين الوسيط الأدبي والوسيط المرئي، فلكل منهما طريقته في العرض والتناول بما يحفز الجماهير على التفاعل والانجذاب إليها، وطبيعة الأعمال الدراميَّة تفرض الحذف والإضافة والتعديل.. والسبب الثاني هو أن الأديب مسؤول مسؤولية كاملة عن إبداعه المكتوب الموجه للقراء، وتتم محاسبته على عمله الأدبي، أما العمل الفني فهو مسؤولية السيناريست والمخرج والممثلين، وتقع مسؤولية الفشل والإخلال على عاتق فريق العمل كل حسب مسؤوليته..
أبارك لاتحاد الأدباء والكتّاب في النجف الاشرف، خطوتهم الموفقة في مناقشة علاقة السرد القصصي بالدراما العراقية، مع قناعتي الراسخة أنه لا مناص من الاعتماد على وعي قارئ السرد الروائي، ومشاهدة العمل الدرامي، وقدرته على النقد والتميز بين الحالين، ومستوى المناعة الفكريَّة والذوقيَّة عنده.