ثمن عملية تخليص الأسرى الذي دفعه الفلسطينيون
• ملك تنتيش وأسيل موسى وإيما غراهام هاريسون
• ترجمة: أنيس الصفار
هذا الجزء من وسط غزة سبق أن أفرغ من الناس في مطلع العام عندما اقتحمته القوات الإسرائيلية أول مرّة ودمّرت منزل أنسام بضربة جوية، بيد أنه عاد فامتلأ بهم مرة أخرى مع مطلع أيار وعودة أكثر من مليون شخص توجهوا شمالاً للنجاة من عملية أخرى تجري في رفح.
تقول أنسام، 29 عاماً، المقيمة حالياً مع عمها: "سوق النصيرات مكتظة دائماً، ولكنها الآن أشد اكتظاظاً بسبب كثرة المهجرين الذين أجبروا على الخروج من مناطقهم".
كانت أنسام تبحث عن ملابس لبناتها عندما وقعت الغارة الإسرائيلية الأولى، وبدون تفكير انطلقت تعدو إلى الخارج بقصد العودة اليهن.
في الخارج واجهت مشهداً تصفه بأنه "أشبه ما يكون بأهوال يوم القيامة".. حشود من الناس المذعورين يحاولون الهروب من الهجوم الآتي. فالطائرات المروحية والمسيّرات رباعية المراوح سوف تنضم قريباً إلى الهجوم الذي أوقع مئات القتلى، والأجسام الممزقة متناثرة على امتداد الشارع، كما أظهرت ذلك صور المنطقة.
تقول أنسام: "كان الجميع يصرخون مرتعبين. الشارع الذي كنت فيه لا يتعدى طوله 50 متراً ولكنه كان كتلة من بشر بالمئات يركضون. إلى جانبي فقدت امرأة وعيها من شدة الخوف وهوت ورأيت الباعة يتركون بضائعهم على جانب الطريق ويهربون".
البحث عن ملاذ
أما آسيا، وهي مهندسة برمجيات عمرها 37 عاماً من سكان شمال قطاع غزة أصلاً، فقد وجدت نفسها تسحق سحقاً وسط الناس المتدافعين محاولين الهرب.
تقول آسيا: "كنت أجري في الشارع مع نساء أخريات ونحن في منتهى الفزع." مررن من أمام عيادات صحية ومدارس كنّ يلذن بها ذات يوم كلما احتجن إلى ملاذ ومأمن يحميهن من الأذى، لكنهن الآن تجنبنها بعد أن تأكد لهن أن الهجمات الإسرائيلية إنما تستهدف هذين النوعين من المنشآت بالذات.
لكن عندما ظهرت الطائرة المروحية وبدأت بإطلاق النار على الناس في الشارع، ثم التحقت بها الطائرة المسيرة رباعية المراوح، سادت الجموع حالة من الهستريا ولجأت آسيا إلى بيت قريب لكي تحتمي ساحبة معها المرأة الأخرى التي استولت عليها نوبة من الذعر.
جنود متنكرون
سوف تمر ساعات قبل أن يتكشف للناس أن الغاية من ذلك الهجوم الكثيف الذي شنّ عليهم إنما كانت تقديم الإسناد للقوات الإسرائيلية الخاصة التي تتولى مهمة تحرير أربعة من الأسرى المحتجزين في شقق قريبة من السوق. تقول وزارة الصحة في قطاع غزة إن أكثر من 270 فلسطينياً قد لقوا حتفهم جرَّاء الهجوم وأصيب أكثر من 600 آخرين.
ذكر موقع قناة "واي نيت" الاخبارية الإسرائيلية، نقلاً عن وسائل إعلام سعودية، أن جنود القوات الخاصة وصلوا إلى مركز النصيرات وهم يستقلون شاحنة فيها آثاث مكدس وقد تنكروا بزي نازحين فلسطينيين من منطقة رفح.
يقول رائد توفيق أبو يوسف، الذي كان يرعى ولده الراقد في المستشفى اإثر إصابة خطيرة لحقت به خلال الهجوم، أن ابن عمه رأى الفريق الإسرائيلي لحظة وصوله في شاحنة ترافقها سيارة ثانية. يقول: "نزل بعض الرجال من الشاحنة وراحوا يحيّون الواقفين أمام المنزل قبل أن يدخلوا ويبدؤون بقتل الجميع".
قصف وحشي
سرعان ما بدأ القصف بعد ذلك. يقول الجيش الإسرائيلي إن قواته تعرضت للهجوم أثناء تنفيذها عملية معقّدة، وأن أقل من 100 شخص قد قتلوا، وأضاف متحدث باسم الجيش أنه لا يعلم عدد المدنيين بين هؤلاء.
نقل معظم القتلى وضحايا الهجوم إلى مستشفى الأقصى القريب من الموقع حيث كان علي إبراهيم الطويل، 31 عاماً، يعمل قبل نشوب الحرب في قسم أمراض القلب ولكنه اليوم صار يقضي أغلب وقته في العمل طبيب طوارئ محاولاً تقديم العلاج لسيل لا ينقطع من جرحى الحرب مستعيناً بما تبقى بين يديه من موارد متضائلة.
مشاهد يوم السبت كانت كارثية حتى عند أخذها وفق هذه المعايير. يقول الطويل: "لقد كان مشهداً مريعاً للغاية، والمصابون الذين استقبلناهم كانوا من جميع الأعمار.. أطفال ونساء ورجال وشيوخ وعجائز.. وكانت إصاباتهم وجروحهم من كل شكل وصنف".
يمضي قائلاً: "كان كثير منهم ملقى على الأرض، ووضعت أسرة في فناء المستشفى.. وداخل خيمة كبيرة في الخارج.. لقد كان كل شبر من المستشفى غاصّاً بالجرحى أو القتلى او أقاربهم بالمعنى الحرفي للكلمة، وردهة الطوارئ كانت ممتلئة إلى حد أنك لا تستطيع إقحام نفسك للمرور وسط هذا العدد الهائل من الناس.
أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن تلك الساعات من القصف كانت قد حدد لها وصدرت الأوامر بتنفيذها، جزئياً على الأقل، بهدف توفير الحماية للأسرى والقوات الإسرائيلية، ومن بعدها اشتدت كثافة الهجمات حين حوصرت سيارة الإنقاذ وهي تقلّ الأسرى الثلاثة وسط إطلاق نار كثيف.
نقل الأسرى
أفاد تقرير لقناة "واي نيت" بأن القوة الجوية وسفن البحرية المرابطة قبالة الساحل ساهمت في تأمين الغطاء بينما اندفع مئات الجنود الإسرائيليين إلى داخل المخيم، أما على الأقدام أو في مركبات مدرعة ودبابات.
يضيف التقرير: "أن التعزيزات وعمليات القوة الجوية قد نجحت في عزل ساحة المعركة المركزية وبذلك أتاحت طريق هروب آمن لقوة الإنقاذ ومعها الرهائن الثلاثة". جرى نقل الأسرى غرباً إلى نقطة من الشاطئ قريبة من الرصيف الجديد الذي تشيده الولايات المتحدة لتلقي شحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة، ومن هناك استقلوا طائرة مروحية نقلتهم جواً إلى إسرائيل.
الهجمات المدمرة التي أفسحت الطريق لإخلاء الأسرى يمكن تتبعها، جزئياً على الأقل، من خلال الاستماع إلى روايات من كانوا في مستشفى الأقصى يتلقون العلاج.
فغزال الغصين، 16 عاماً، مثلاً كانت تجلس مع عائلتها في مخيم للاجئين من أكواخ مسقفة بالصفيح في الحساينه، غرب النصيرات على عمق نصف ميل تقريباً إلى الداخل، حينما ابتدأ القصف.
تقول خالتها إيمان أبو راس، التي تولت نقلها إلى المستشفى، إن صاروخاً سقط قريباً منهم فأدى إلى مقتل أحد اشقاء غزال وأصابة والدها ووالدتها وشقيقها الآخر بجراح. وأصابت الشظايا غزال نفسها في رأسها فسببت لها نزيفاً دموياً في الدماغ نجم عنه شلل في يدها وقدمها. تقول إيمان: "لم يسعفهم أحد. والدها الجريح هو الذي قام بسحبها ووالدتها وشقيقها المصاب ووضعهم على مرتبة سرير بعيداً عن الخطر قبل أن ينهار ويفقد الوعي. كانت المنطقة مطوقة فلم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول اليهم وإجلائهم إلا بعد وقت طويل".
عائلات منكوبة
يقول أبو يوسف، 42 عاماً، إنه حتى السكن بالقرب من المستشفى لم يكفِ لتأمين الحماية لعائلته من الغارة الجوية التي وجهت ضربتها إلى جوار منزلهم مباشرة. كان أبو يوسف قد فقد أطفاله الثلاثة الآخرين في وقت سابق من الحرب، ويقول الأطباء إن فرصة ولده الأخير بالنجاة ضئيلة.
يمضي أبو يوسف فيقول: "جميع أفراد عائلتي وعوائل أخوتي قتلوا أو أصيبوا بجروح. ثلاث من بنات أخي توفين لحد الآن ولا تزال أختي تناضل للبقاء على قيد الحياة".
يختتم كلامه قائلاً: "يقع منزلي قرب مستشفى العودة. ورغم أنه يبعد مئات الأمتار عن المبنى الذي استهدفوه فقد توالت ضربات جوية كثيرة وكل أنواع الهجمات في المنطقة من أجل توفير الغطاء لعمليتهم الجبانة".
• عن صحيفة الغارديان
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة