أوروبا والمأزق الانتخابي

قضايا عربية ودولية 2024/06/13
...

علي حسن الفواز



ما كشفته الانتخابات الأوروبية الجديدة من معطيات تؤشر مدى الخطورة التي تعيشها أوروبا، حيث وضعتها نتائجها أمام أسئلة مثيرة للجدل، فصعود أحزاب اليمين في هذه الانتخابات فاق التوقع، ووضع حكوماتها إزاء مفارقات وخيارات ستنعكس – حتماً - على السياسات والبرامج، وعلى التوجهات التي ظلت تحكم أوروبا منذ عقود، فصعود أحزاب اليمين المتطرف، ومنها حزب "التجمع الوطني"  يعني حدوث تغييرٍ في خارطة البرلمان الأوروبي الجديد، مقابل فشل أحزاب تقليدية في زيادة نسب نوابها في البرلمان. 

هذه النتائج بدت أكثر وضوحاً في فرنسا، وكشفت عن عجز الرئيس ماكرون عن مواجهة المتغيرات في المزاج الانتخابي، فتصريحات مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف باتت أكثر صخباً من خلال شعارات شعبوية، تهدد بطرد المهاجرين، واتباع سياسة متشددة إزاء التنوع الديموغرافي في فرنسا، وهو ما استفز الذاكرة الرومانسية لـ"جمهورية العطور" وفتح الباب لخيارات قد تصنع مشهداً صراعياً يهدد "المركزية الأوروبية" والذي ترافق مع قيام الرئيس ماكرون بحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، كنوع من التحدي المضاد، الذي قد يحافظ به على برنامجه الرئاسي، أو قد يأتي بحكومة مناهضة لرهاناته السياسية.

المشهد الانتخابي الأوروبي الجديد لم يكن بعيداً عن ما يجري في أوكرانيا، ولا عن التصدّع الاقتصادي الذي تعيشه أغلب دول القارة العجوز، وربما كان للتشدد الفرنسي في دعم الرئيس زيلينسكي أثره في صعود التيارات اليمينية التي تطالب باستقلال فرنسا عن محاور السياسة الأميركية، وعن الهدر المفتوح بالاقتصاد الفرنسي.

التهديد بفقدان ما سمي بـ"الهوية الأوروبية" وضع الجميع أمام أفق غائم، وأمام وقائع مفارقة، فالتطرف بات عنواناً فاضحاً، وسياسات اليمين تحولت إلى تطرف مضاد، حيث بات "اليمين الشعبوي والقومي" حاضراً في المشهد، وساعياً إلى تحالفات جديدة، تُسهم في فرض شعارات السياسة المعادية للمهاجرين،  وهذا ما يُلزم الرئيس ماكرون باتباع سياسة التوازن الحذر، والرهان على مغامرة الانتخابات الجديدة.

هذه النتائج تؤكد ما ذهب إليه الكاتب أمين معلوف في كتابه الجديد "متاهة الضائعين" بأن "النموذج الأوروبي" التقليدي قد دخل في "مرحلة الاحتضار" وأضحى أمام إشكالات سياسية واقتصادية، فالغرب السياسي بأنموذجه "الديمقراطي" يمكن أن يفقد كثيراً من تفوقه وسط تحديات حضارية معقدة، وسباق غرائبي للتسلّح، كما أن التطورات والصراعات في السياسة الأوروبية ستدفع باتجاه مزيد من "الضياع" وربما الانزلاق الذي سيعجّل بكارثة عالمية كما قال معلوف.