عمار عبد الخالق
يعد اسم الموريتاني محمد الأمين الشنقيطي، علامة يعرفها الكبار والصغار في الزبير، لا سيما بعد اقتران اسمه بأشهر مدرسة للبنات في القضاء، الذي لا يزال يعاني من شح المدارس وتعاظم أعداد الطلبة، العلامة مولود عام 1876 في صحراء شنقيط، سافر إلى مصر والحجاز ودرس هناك، الفقه والحديث والأنساب، ثم توجه إلى الكويت، قبل أن يستقر في جنوب العراق، في الزبير غرب البصرة العام 1909 والتي أسس فيها مدرسة النجاة، التي تخرج منها آلاف الطلبة.
لم يكتفِ العلامة الموريتاني بنشر العلم بين الرجال بل طالب بحقوق موازية للنساء، رغم الظروف الاجتماعية آنذاك، والتي كانت تحتم على المرأة الجلوس في البيت، ما فتح النار على اسمه ومكانته. الأمر الذي دفع بأحد طلابه في ما بعد وهو رجل الأعمال المعروف عبد العزيز البابطين ببناء مدرسة (للبنات) حملت اسمه في الزبير، تخليدا لمواقفه الفارقة، التي لم يسدل عنها الستار حتى بعد وفاته عام 1932 ودفنه في مقبرة الحسن البصري. تحدّث عدد من الباحثين والكتاب لـ(الصباح) على أهمية العالم الشنقيطي، الذي أسس فكرة تعليم البنات للمدارس في الزبير.
المؤسس
الباحث والكاتب محمد حسين الراشد أكّد أن "العرب سابقاً كانوا يمنعون دخول البنات إلى المدارس لغرض التعليم، وهذا الأمر كان مسلما به في عموم البلدان، ومع ذلك حاول العلامة الشنقيطي أن يؤسس مدرسة خاصّة للبنات لُكْنه منع، بل وتعرض إلى التهميش والضرب والإقصاء من قبل التقليديين آنذاك".
وأضاف الراشد "كان يروم فتح مدرسة لتعليم البنات تماشياً مع تأسيسه الأول لمدرسة النجاة، خلد رجل الأعمال والشاعر الكويتي عبد العزيز البابطين دور الشنقطي في الزبير، ببناء مدرسة باسمه عام 1989 لتعليم البنات، وفاءً لمعلمه الذي درسه في مدرسة النجاة الأهلية قبل أن يعود لاحقا إلى الكويت، وجاء ذلك تعزيزاً لدور رجل الدين التنويري".
وأعرب الراشد أن "البابطين أشترى الأرض وأكمل المدرسة بمنطقة محلة الشمال في قضاء الزبير وتبرع بها إلى وزارة المعارف، وإلى الآن تحج إليها بنات الزبير، لقد أراد الراحل بوضوح تام أن يكون للمرأة دور قيادي مناصفةً مع الرجل في المجتمع".
الحبوبي والطباطبائي
الكاتب والباحث عادل علي عبيد قال إن "مجيء الشنقيطي إلى البصرة كان استثنائياً في معركة الشعبية، ما بين القوات البريطانية والقوات العثمانية لينصهر مع بعض العلماء منهم محمد سعيد الحبوبي والطباطائي وعلي الشرقي وآخرون الذين شاركوا في المعركة".
وأوضح عبيد "كانت هنالك مساجلات ما بين مزعل باشا والداعية الأمين الشنقيطي ليكون مديراً لمدرسة النجاة الأهلية بعد تأسيسه لها".
وبين عبيد "ضمّت المدرسة كبار الشخصيات الفكرية والثقافية أمثال عبد الوهاب المزين عم الفنان عبد الكريم عبد القادر، ومحمود البريكان وعبد الرزاق الدايل وعبد القادر النبهان وعدد من الأسماء المصرية، وظف الشنقيطي اللغة الأنكليزية وجوانب الأرشفة " الوثائقية" وما يعرف بالديو العشري، الذي يعتمد على تصنيف المكتبات في مدرسة وجمعية النجاة الأهلية".
وأجاب عبيد أنه "زار الشاعر العراقي معروف الرصافي المدرسة والجمعية وقال إنها ليست مدرسة بل جامعة بجميع فعالياتها وأنشطتها التنويرية والثقافية؛ وذلك لما حققته من بروز فكري ومعرفي بجانب التنوير والثقافة".
عاش 15 عاما في الزبير
من جهته ذكر نائب رئيس جمعية النجاة أسامة الكامل أن "مخطوطات ومخاطبات الشنقيطي بخط يده طيلة 15 عاما وأكثر، التي عاشها في مدينة الزبير محفوظة لدى الجمعية، كانت أبوابه مفتوحة على الخليج العربي وهوَ يخاطبهم بشأن الجمعية وجمع التبرعات من أجل تحقيق نجاح مدارسه وحتّى الرؤساء والقادة والوزارات في العراق".
وأضاف الكامل "أثر العلامة المورتاني الشنقيطي باقٍ إلى هذا اليوم هناك جمعية النجاة في الكويت أيضاً تم تأسيسها تخليداً له بعد مسيرة تنويرية قدَّمها في الزبير وجمعيات أخرى تحمل الاسم في الوطن العربي".
وأشار الكامل، ان "المدارس القائمة الآن في أغلب البلدن العربي أُخذت فكرة الشنقيطي في منهاجها التدريسية وهيّ العلوم الدينية والعلوم الدنيوية لاعتقاده أنّ المسلم من الضروري أنّ يتسلح بالخط الإسلامي، وجمعية ومدرسة النجاة الأهلية كانت ملاذاً وملجأ لإيواء الأهالي والأطفال والشباب الذين أتوا من الفاو إلى مدينة الزبير إثر حرب الخليج الأولى عام 1980".