البيئة الصادمة وأثرها في سلوك الطفل

اسرة ومجتمع 2019/06/11
...

احمد جبار غرب
أصبت بالدهشة والحيرة لمشاهدة أطفال بسن الابتدائية ومادون يشاهدون أفلاماً مرعبة فيها درجة من التشويق الانفعالي الحاد من خلال التلفزيون لا يقوى عليها الكبار من هم دون سن الرشد وليس هذا فقط وإنما يشعرون بالسعادة لمتابعتهم للأحداث واللقطات ولا تثنيهم رؤية الدم والمواقف المتأزمة من التوقف عن المشاهدة أو الخوف من المفاجآت ، قلت ربما لم يستوعبوا عقليا تلك المشاهد لعمرهم الزمني البسيط ولاحساسهم القاصر ومشاعرهم الابتدائية في تقبل الاحداث والاندماج معها ، لكن اتضح أن ذلك مجرد خطأ في التشخيص، حيث تمادوا الى درجة الذوبان والانغماس بالمشاهد. لم استغرق كثيرا في التفكير بهذا الخرق الاجتماعي الكبير ولأننا نبث يوميا من خلال الشاشات والفضائيات وألعاب الفيديو المليئة بالعنف أضعافاً من مشاهد الموت والدم في كل يوم فقد أصبحت تلك المناظر طبيعية وتكيفت عقول الأطفال الغضة ومشاعرهم مع هذا الواقع ربما يفيدهم مستقبلا في امتصاص الصدمات واحتوائها وقد تذكرت إني في طفولتي كنت أخشى حينما اسمع كلمة (الحرامي) فقط عندما اسمع بهذه الكلمة وأتصوره شيئا خرافيا يحاول ايذائي وقتلي أو عندما اسمع حكايات عن الأشياء الخارقة والجان (والسعلوة والطنطل) التي غالبا ما تحكيها الجدات والعمات بشيء من الغرائبية! 
حقا ان المجتمعات تتطور قهريا ورغم انفها وحسب ما تفرزه بيئتها الاجتماعية  فهي دائما انعكاس لواقع قائم ومتى ما كانت المجتمعات متعافية، كان وعيها ونضجها مستمدين من بيئتها الصحية  والعكس صحيح أيضا وفي هذا الجانب يتدخل الكثير من العوامل في تكوين شخصية الطفل وإعطائها الصبغة الخاصة بها ففي كثير من المدن الشعبية والتي تنعدم فيها سبل العيش الرغيد وتكون أولويات كفاحها من اجل توفير بيئة معيشية ملائمة من لقمة الخبز الى ابسط مقومات الحياة اليومية نراها تكون بمنأى عن التثقيف والتوعية لهذه الانشغالات المستحكمة فيها وتكون الأسرة عاجزة تماما بسبب الظروف المادية عن رعاية أطفالها والاهتمام بمتطلباتهم وهواياتهم والتي تعبر عن ما يدور في مخيلتهم ، ورغم دور الأسرة في التنشــــــــــئة الصحية السليمة باعتبارها الخلية الأولى التي تحتضن الطفل وعليها مهام كثيرة في هذا الجانب .. يأتي دور المجتمع والبيئة السياسية التي تتحكم بمقدرات البلاد وعليها يكون الوزر الأكبر في تحمل متطلبات الطفولة وبنائها صحيا وسيكولوجيا من خلال الدعم الثقافي والاجتماعي وتوفير الجانب المادي والإنساني ، فالطفل يحتاج الى اهتمام خاص وعلى الدولة أن تعــــــــــطي وقتا كافيا لهذا الاهتمام وتعمل على إنشاء بنى تحتية للطفولة من مدارس انموذجية الى مكتبات تتلاءم ومستوى وعي الطفل و مراكز للرياضة والصحة كذلك دور للمســــــــرح تتبنى أعمالا هادفة تخدم وترمم السلوك السليم للطفل وأيضا يجب توفير أغذية من خلال الصحة المدرسية تعطى يوميا للأطـــــفال في مختلف المراحل الدراسية لينمو عودهم وتتصلب أجسامهم وقد قيل الجسم السليم في العقل السليم كذلك على الدولة أن تعي جيدا أن بناء الطفولة يعني بناء لمستقبلها وكيانها هذا اذا كانت الدولة في وضعها الصحيح ولا تعاني من إشكالات مرحلة التأسيس والصيرورة أما في حالنا فالأمر جدا متعب وحزين نتمنى أن لا تعاني الطفولة من المشاكل والآلام وان يحسب لها حسابا كبيرا لأنها اللبنة الأولى للمجتمع وهاجس التطور والتقدم للبلاد.