عيد الغدير.. دعوة للاخاء والرحمة

ريبورتاج 2024/06/24
...

   فجر محمد

زاهد متعبد أفنى حياته في خدمة الاسلام ونبيه ورسالته العظيمة، وما كان للشجاعة والفروسية أن تذكر إلا وكان أبو الحسن في مقدمتهما، ولم يشهد التاريخ الاسلامي زهدا ولا تواضعا الا وبرز اسم امير المؤمنين فيهما، لم يتوقف رسول الله (ص) طيلة حياته عن الفخر بابن عمه علي بن أبي طالب (ع)، ولهذا وأثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة، وفي مكان يطلق عليه "اسم غدير خم" وقف الرسول الكريم محمد (ص)، ليوصي المسلمين بدينهم وعقيدتهم، ومن ثم يثني على فضائل وصفات الامام علي (ع) الذي تربى في بيت النبوة، واستهل من العلم والمعرفة، فهو الذي رافق الرسول طوال فترة حياته، ولم يغادر ذلك البيت الكريم يوما وهو من قال بحقه النبي محمد "من كنت مولاه فعلي مولاه".
ولد الامام علي (ع) داخل البيت الحرام، وتحديدا في جوف الكعبة واستهل العلم والذكاء والفضائل من ابن عمه الرسول محمد (ص).
كان يتفاخر امير المؤمنين علي بن ابي طالب بنسبه وقربه من رسول الله وهذا ما بينه في خطبته المعروفة بالقاصعة ونصها: "وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره  ويكنفني في فراشه".
أن تكون من محبي الامام علي (ع) ومواليه فهذا لا يعني ان تجاهر بحبه فقط، بل يجب أن تسير على نهجه وخطاه، بهذه الكلمات استهل حديثه الحاج ابو مجيد وتابع القول: "ان الدين الاسلامي واتباع نهج الرسول وآل بيته الكرام، يحتاج إلى العمل الجاد والمستمر من أجل احقاق الحق وانصاف المظلومين، وليس المجاهرة بالحب والولاء دون فعل أو اثبات".
لم يحتفل ابو مجيد مثل البقية بتوزيع الحلويات وايقاد الشموع، بل ذهب وبحث عن البيوت الفقيرة، التي يعاني اصحابها دون أن ينطقوا بكلمة واحدة ويقول: "اخترت ان احتفي بعيد الغدير بطريقتي الخاصة، وأبحث عن المحتاجين والمعوزين واساعدهم بما يحتاجونه فهم أحباب الرسول وامير المؤمنين(ع)".

خطب ومواعظ
تجمع الدراسات والبحوث الدينية على أن يوم الغدير، كان يتميز بالخطب والمواعظ التي دلت واكدت على عظمة الاسلام، فضلا عن اهمية ومكانة آل البيت الكرام الذين خصهم الله بالكرامة والعزة وحملهم رسالة الاسلام العظيمة، اذ حث الرسول في خطبته المسلمين على اتباع الدين والحفاظ عليه، وموالاة آل البيت لأنهم امتداد للرسالة النبوية الشريفة.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن يوم الغدير، تزامن مع حجة الوداع التي تعد الكمال والتمام، اذ اجتمع المسلمون من كل حدب وصوب، ليشهدوا مع رسولهم الكريم آخر أركان الدين الاسلامي.
وبحسب المصادر يقول العالم الديني الكبير الشيخ "عبد الحسين الأميني النجفي" في كتابه (الغدير في الكتاب والسنة والأدب): فلما انصرف (رسول الله) من صلاته قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، وقال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله وإني أوشك أن أدعى فأجبت، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنَّ جنَّته حقّ ونارَه حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟
قالوا: نعم.
قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبُصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عِترَتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد على الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد علي فرفعها وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، قالها ثلاث مرات.

شجاعة وقوة
ما كان للشجاعة ان تذكر الا وكان ابو الحسن عنوانها، فهو الذي بات ليلة الهجرة بفراش الرسول (ص) لكي يتمكن من المغادرة بسلام، حيث كانت دار الرسول تراقب من قبل المشركين الذين أرادوا قتله ، فكانوا ينظرون إلى فراشه لكي لا يفرّ منهم إلى أن ينام الناس وتهدأ العيون، ليقوموا بقتله.
وبعد ان دخل المشركون الدار قاموا برمي الحجارة على الفراش، وكان الامام علي (ع) يئن من وجع الحجارة ولكنه لم يستسلم، حتى قام المشركون برفع الغطاء ليتبين أن النائم هو الإمام علي وليس الرسول محمد (ص)، ليتركوه دون أن يمسوه باذى لخوفهم منه ومعرفتهم بشجاعته الكبيرة.
وفي شجاعة الامام علي ذكر الكثير ومنها: أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة، تُضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فرَّ قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحد إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية.
وعن الامام الصادق يقول حدثني بعض الاعراب عن شجاعة امير المؤمنين، اذ قالوا: رأينا الأشعث بن قيس دخل على عليّ (ع)، فأغلظ له عليّ، فعرض له الأشعث بأن يفتك به، فقال له علي: "أبالموت تهدّدني! فوَالله ما أُبالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليَّ".
وعن زهده (ع) يقول قبيصة بن جابر ما رأيت في الدنيا أزهد من علي بن أبي طالب كان قوته الشعير غير المأدوم ولم يشبع من البرّ ثلاثة ايام، وعن عمر بن عبد العزيز قال: "ما علمنا أن أحدا كان في هذه الامة بعد النبي (ص) أزهد من علي بن ابي طالب (ع)".
وروى اخطب خوارزم عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول اللّه (ص) يقول يا علي إنّ اللّه تعالى زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحب إليه منها، زهّدك في الدنيا وبغضها أليك وحبّب أليك الفقراء، فرضيت بهم اتباعا ورضوا بك إماما يا عليّ طوبى لمن أحبك وصدق بك، والويل لمن ابغضك وكذّب بك امّا من أحبك وصدق بك فاخوانك في دينك وشركاؤك في جنتك واما من كذّب بك فحقيق على اللّه أن يقيمه يوم القيامة مقام الكاذبين.

الإنسانية والرحمة
وترى هديل ظافر ان لعيد الغدير معاني كثيرة، لا بد من فهمها واستيعابها واهمها التأكيد على فضائل ال بيت الرسول، وان ولاية الامام علي (ع) لايمكن ان تتعارض مع أي شيء آخر لأن هذه الولاية هي امتداد للاسلام، ودعوة صادقة لأتباع نهج آل البيت دون شك.
وهذا اليوم العظيم هو للانسانية جمعاء، ولحفظ رسالة الاسلام وديمومتها عبر العصور. وتتابع هديل" في هذا اليوم المبارك اجتمعت معاني الانسانية، ونودي بالعدل والمساواة بين الجميع". ومن الاعمال المستحبة في هذا اليوم، هو الصيام وزيارة امير المؤمنين علي بن ابي طالب وتهنئة المسلمين لبعضهم الاخر، ثم يمارسون طقس المؤاخاة كما هو متعارف عليه.