الأدوية العراقيَّة.. من الاستيراد إلى التصنيع

ريبورتاج 2024/06/27
...

 علي غني

لسنوات طويلة نستورد الدواء من دول العالم، ومنها دول الجوار، بعدما  كان العراق متقدماً على العديد من الدول في مجال صناعة الدواء، البعض رد هذا التراجع للحصار والحروب وسوء التخطيط، ووجود منتفعين من استيراد الدواء، والبعض الآخر رده لتقاعس المسؤولين آنذاك، لكن الآن يوجد توجه جديد باحياء الصناعة الدوائية، لما نشهده من حراك تقوده أعلى سلطة في البلاد ووزارة الصحة ونقابة الصيادلة والشركات الدوائية في القطاع الخاص، فما الجديد في الصناعة الدوائية، وهل سنشهد حضور الأدوية العراقية في صيدليات دول الجوار على الاقل؟.

صناعة وطنيَّة

الكتابة عن الصناعات الدوائية ليست أمراً سهلاً، لأن كل كلمة تقولها تحسب عليك، لأن هناك تنافساً عالمياً بشأن الدواء وجودته وحداثة المعامل، فقلت لأذهب أولاً إلى نقابة الصيادلة، كون الصيادلة في تماس مع المواطنين، وبامكانهم تحديد جودة الدواء من خلال شباك البيع، والحقيقة وجدت نقيباً متفهماً ولديه خطة محكمة للدخول إلى الصناعة الدوائية إلى جانب التنسيق العالي مع الجهات صاحبة العلاقة، فقلت لنقيب صيادلة العراق الدكتور حيدر الصائغ، كيف يمكننا أن نصل إلى صناعة دوائية تنافس منتجات العالم ودول الجوار ودول الخليج؟. 

فأجابني بثقة عالية، منذ الأيام الأولى (عندما التقينا مع رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني)، لمسنا  تعاوناً غير مسبوق ما شجعنا أن نقدم له رؤيتنا لتوحيد الجهود للوصول إلى صناعة وطنية متقدمة وتنافسية وقادرة على تصدير منتجاتها إلى دول العالم، وأكرر من دون خجل قد لمسنا دعماً حقيقياً من رئيس الوزراء، فأمر على الفور بتخصيص أراضٍ لبناء مدن صناعية في بغداد والمحافظات. 


فرصُ عمل

وواصل حديثه: وضمن السياق نفسه وبالتعاون مع وزارة الصحة العراقية حصلت موافقة وزير الصحة الدكتور الاستشاري صالح الحسناوي على طلب نقابة الصيادلة بتعيين صيدلي لكل خط إنتاجي في المعامل الدوائية الخاصة والحكومية، الأمر الذي سنعمل من خلاله على بناء جيل من الصيادلة الصناعيين، ليتولوا مهمة نقل الصناعة الدوائية إلى المستوى الذي يليق بالعراق وتاريخه العريق وريادته في المنطقة.

وعاجلته بسؤال قبل أن يطلب من سكرتيره الخاص بمتابعة أمور المراجعين، ما الدور الذي ستقوم به نقابة الصيادلة في تشجيع الصناعة الدوائية، هل هو يتعلق بتصريف الدواء أم اختباره، أم تقديم الاستشارة للمعامل؟، فأجابني: أن "النقابة ترى أن الصيدلي العراقي هو محور الصناعة الدوائية الوطنية، ويشرف على مجمل العملية الإنتاجية من اختيار المنتجات الصيدلانية للتصنيع، مروراً بمراحل التصنيع المختلفة ثم السيطرة النوعية والاختبارات المختلفة وإطلاق صرف الدواء المنتج، ثم تسويقه في السوق الدوائية العراقية ووصوله للمواطن (مسعراً) وفقاً لمنظومة التسعيرة الوطنية، وهل هذا الاجراء سيفيد الصيادلة العاطلين عن العمل، وتعيينهم في المعامل الدوائية، فقال لي لقد وصلت للحقيقة (والكلام موجه لي)، فمن أهداف النقابة ايجاد فرص عمل، وأقولها بصراحة، حالياً، هناك عدد محدود جداً من الصيادلة يعملون في المصانع الوطنية التي يبلغ عددها حوالي 28 معملاً، لذلك قمنا بالتعاون والتنسيق مع وزارة الصحة العراقية وهي الجهة المسؤولة عن منح إجازات فتح المعامل الدوائية ومتابعتها وتفتيشها، لتعيين الصيادلة العاطلين عن العمل بهذه المعامل. 


تطورٌ ملموس

تفاءل الأستاذ أحمد عبد الجليل نائب رئيس الرابطة العراقية لمنتجي الأدوية في العراق بالبرنامج الحكومي الحالي الذي قدم الكثير من الدعم فأحدث تطوراً ملموساً في الصناعة الدوائية، إذ أصبحت هناك زيادة في عدد المنتجات المسجلة والإنتاج وكذلك افتتاح العديد من المصانع والتوسع في عدد المصانع قيد الإنشاء، ولكن هناك أموراً أخرى يجب على الدولة معالجتها مثل تسهيل الحصول على إقامة العمل للخبراء، حيث إن المدد القانونية التي يعطونها للخبراء قليلة، وهي سنة ويجب أن تتجدد سنوياً ويجب تسهيل هذا الاجراء للخبراء، لأن عملية الإقامة في العراق معقدة جداً، لذلك يجب على الدولة أن تنظر إلى الدول الأخرى في ما يتعلق بإقامة عمل الخبراء، إذ إن الدول الأخرى تعطي الإقامة للخبراء لأكثر من سنة، وتابع (أحمد عبد الجليل): كذلك يجب تحسين النظام الضريبي والنظام المصرفي أيضاً، ولا أبالغ  إذا قلت لك (والكلام للأستاذ احمد)، نعم تتوافر الأجهزة الحديثة، إذ توجد شركات عالمية في العراق ولها مكاتب في بغداد، وتقدم الدعم والتدريب الفني للملاكات ولكل المختبرات الموجودة في مصانع الأدوية، ومختبرات وزارة الصحة جميعها مجهزة من مناشئ عالمية وجميع الأجهزة متطورة وحديثة.

أما بخصوص المواد الأولية في صناعة الأدوية فتختلف مناشئ هذه المواد، فمن الممكن أن تكون من مناشئ أوروبية أو آسيوية حسب المادة وتوفرها، ولكن كل هذه المواد التي تستورد لها شهادات حسب تعليمات وزارة الصحة وجميعها مطابقة لدساتير الأدوية الأميركية والأوروبية والبريطانية، ويوجد دستور يحكم بهذه المواصفات، والجميع يلتزم به وذلك لأن جودة الدواء هي أساس الصناعة الدوائية.


الدواء العراقي

وماذا عن إقبال المواطنين على الدواء العراقي؟، سأجيبك، نعم في الآونة الأخيرة أصبح هنالك إقبال من المواطنين مع ازدياد عدد المصانع والمنتجات، لا سيما أن المواطن جرب جودة المنتجات، وأصبح الآن لدينا الكثير من الأدوية التخصصية في مجال القلب والسكر والصرع وهي أدوية عراقية بامتياز، وكذلك أدوية لعلاج الالتهابات وأدوية لعلاج الأمراض السرطانية، إذ إن الكثير من المصانع وفرت هذا العلاج وبجودة عالية تضاهي المنتجات الأوروبية، وهنالك إقبال من المواطنين و دعم من الأطباء للنتائج التي تحققها هذه الأدوية.

وأزيدك معلومة، أنه يتم فحص الدواء في مختبرات المصانع وهي المسؤولة عن جودته وسلامته ومراقبته في الأسواق من خلال نظام اليقظة الدوائية، وفي مختبرات الرقابة الدوائية التابعة لوزارة الصحة نقوم بفحص الأدوية التي تنتجها المصانع بشكل مستمر، وفي شكل عشوائي أيضاً عن طريق سحب عينات من الأسواق، وفحصها حتى يتم التأكد من سلامة الدواء، كما أن لدينا (28) مصنعاً، تشرف عليها وزارة الصحة، وهي المسؤولة عن المصانع.

وما الدعم الذي تطلبه المصانع من الدولة لكي يتم النهوض بالصناعة الدوائية وأبرز المعالجات؟ سأجيبك بصراحة، نطلب من الدولة أن تعامل جميع المصانع بالتساوي، ولا تقوم بالتمييز بين مصنع وآخر، ولدينا ملاحظة نود طرحها، وهي أن وزارة الصحة هي وزارة خدمية وصحيح أن لديها منفذ في القانون عن طريق دائرة العيادات الشعبية للتعاقدات، لكن هذا الشيء يخرجها عن النمط الذي تأسست لأجله وهي وزارة خدمية.

وزارة الصناعة هي الوزارة المسؤولة عن الإنتاج، ولديها مصانع، ومنها شركة سامراء، فتدخل وزارة الصحة في تأسيس بعض المصانع وإعطاء هذه المصانع أفضلية على المصانع الأخرى هذا يعود بنا إلى حقبة الاشتراكية ويدمر القطاع الخاص، لذا نرجو ايصال صوتنا عن طريقكم إلى أصحاب القرار برسم السياسة الاقتصادية للبلد، إذ إن وزارة الصحة هي وزارة خدمية لا تتدخل بالصناعة، لأنها مسؤولية وزارة الصناعة، ويجب على وزارة الصحة أن تعامل الجميع بالتساوي وعدم إعطاء امتيازات مصنع على آخر.


دعم حكومي

حملت أوراقي بعد أن فرغت من لقاء نقيب الصيادلة الدكتور حيدر الصائغ، لأذهب مباشرة إلى شركة الكندي الدوائية لأطلع بصورة مباشرة على عمليات تصنيع الدواء العراقي، لأجد باستقبالي الدكتور عدي محيي المعموري، المدير المفوض للشركة الذي ينتج معمله أكثر من (130) نوعاً من الدواء، وأكثر من (52) مستحضراً، داخلة في البحث والتطوير، فقلت له أرى مستحضرات لم أرها من قبل؟، فأجابني: كلام صحيح جداً، فلدينا مستحضرات تم إنتاجها لأول مرة في العراق والشرق الأوسط (وأخص فيها جريدة الصباح)، وجهزنا وزارة الصحة بالكميات التي تحتاجها من مادة (تاكروليمس)، وهو مرهم جلدي صنع بتقنيات عالية، ولم تقصر وزارة الصحة بدعمنا في التسجيل والإنتاج، وهو دعم حكومي واضح.


الاكتفاء الذاتي

وتابع المعموري: أن هدفنا الأول هو الاكتفاء الذاتي، وسد احتياجات البلد من الدواء، وتقليل نسب الاستيراد، وتطوير الأدوية لتنافس دول الجوار والعالم، فقلت له، متى يتحقق هذا الهدف؟ فأجاب، ممكن أن يتحقق هذا الهدف إذا استمرت الحكومة بدعمها وتقديم التسهيلات، والأخذ بمقترحاتنا، وهي: إلغاء الرسوم الجمركية، ومنح الاعفاءات للمواد الأولية للمصانع الدوائية، إلى جانب توفير شبكات خاصة لخطوط الطوارئ للمصانع الدوائية طوال فترة الانتاج التي يجب فيها عدم انقطاع التيار الكهربائي، وتوفير شبكات مياه بمواصفات عالية، فضلاً على إعادة النظر في تسعيرة الدواء العراقي مقارنة بالأدوية المستوردة (إعادة النظر بالتسعيرة)، وربما من المقترحات المهمة إزالة خطابات الضمان لمنح قيمة 50 % كسلفة تشغيلية للعقود حال توقيع العقد، وحل مشكلات الخبراء الأجانب، بتسهيل الإقامة مع أسرهم، ولمدة طويلة، هذه المقترحات لو تم الأخذ بها، ستصبح لدينا صناعة دوائية كبيرة وتنافس دول الجوار والدول المتقدمة. 

يقال إن شركة الكندي للصناعات الدوائية تحتل الآن المرتبة الأولى في مصانع بغداد من حيث الطاقات الإنتاجية وعدد العاملين، ما مدى صحة هذا القول، سأجيبك بصراحة، نعم، لأن أحد أهداف تطوير الصناعة الدوائية تشغيل الأيدي العاملة العراقية، لا سيما الصيادلة، كما أن لدينا قسماً للبحث والتطوير، ونمتلك أحدث المعامل الدوائية المتطورة، وكذلك نعمل حسب المواصفات العالمية لمنظمة الصحة العالمية، والدليل على ذلك زادت نسبة المبيعات لسنة (2023) لتصل إلى (54 %).

وأضاف: نحن ننتج أدوية الأمراض القلبية والشرايين وأدوية السكر والأمراض النفسية والجهاز الهضمي، فضلاً عن أدوية الصداع والقولون والحساسية وغيرها، وأقول لك بصراحة: لدينا المزيد من الخطط الجديدة التي يقودها الصيادلة المبدعون العراقيون في معملنا لإنتاج أدوية تفوق المستوردة في 

جودتها.