المرأة من الشخصي إلى العام

منصة 2024/07/01
...

 ميادة سفر


توضع الكثير من القضايا المتعلقة بالمرأة في إطار القضايا الشخصية التي يمكن حلها ضمن الحيز الضيق الذي خرجت منه، فالعلاقات الزوجيَّة والعنف المنزلي والإجهاض وغيرها من قضايا نسويَّة بديهيَّة تعامل في كثير من الأحيان من قبل البعض على أنها أمور خاصة بالفرد ذاته ولا يجوز عرضها على العلن والنقاش فيها أو البوح بها، فالمرأة التي تتعرّض للعنف الأسري من الأب أو الزوج أو الأخ أو أي من أفراد أسرتها الذكور تواجه بالاستنكار بمجرد محاولتها الحديث عمّا تتعرّض له، وتتمّ مطالبتها فوراً بالعودة إلى بيتها وحل مشكلاتها، والأفضل "عدم نشر الغسيل المتسخ" علناً، وهو ما تعاني منه الكثير من الزوجات حين تتعرّض للعنف أو الاغتصاب من قبل أزواجهن ويرفض الأهل والمجتمع والسلطات الاستماع لهن على اعتبارها قضايا زوجيَّة يمكن أن تحصل في أيّ بيت، فضلاً عن قضايا التحرّش التي تبقيها الكثيرات طي الكتمان لأنّها حتماً ستكون المسؤولة الوحيدة عنها في نظر المجتمع، مع ما يمكن أن تتعرّض له من عقوبات قد تصل الى حد

القتل. 

تلك الأمور كانت الأساس الذي ظهرت بسببه عبارة "الشخصي سياسي" في سبعينات القرن الماضي، وكانت كارول هانيش أول ما صاغ ذلك المصطلح الذي انطلق من رفض الأحزاب السياسية تبني مثل تلك القضايا التي تعاني منها بعض النساء، فكانت النساء يجتمعن ليحكين مشكلاتهن الخاصة التي لم تكن سوى مشكلات مجتمعيّة لا تقل أهمية عن كثير من تلك التي يناضل من أجلها، وانطلاقاً من هنا اعتبرت المفكرة النسويَّة كارول هانيش أنّه: "لا توجد حلول شخصيّة في هذا الزمن، لا يوجد إلا نشاط جماعي لأجل حلّ جماعي"، منذ ذلك الوقت تصدر "الشخصي سياسي" شعارات الموجة النسويّة الثانية، إذ أكدت النسويات على السمة السياسية لمشكلاتهن الشخصية وتجاربهن سواء في العمل، أو الأسرة، أو المجتمع عموماً، انطلاقاً من هنا برزت أهمية تلك الاجتماعات التي عقدتها النسويات لرفع الوعي، والتأكيد على أنّ تلك المشكلات ليست مجرد آراء ومواقف وتصرفات ذكوريّة فرديّة ضد امرأة معينة، بل هي نتاج نظام أبوي ومنظومة مجتمعيّة وسياسيّة متغلغلة في كل مفاصل المجتمع.

اللافت اليوم أن تلك الأجواء التي سادت في سبعينات القرن الماضي ما زالت سائدة وبقوة في بعض المجتمعات والأسر العربيّة، لذلك فإنّ الحديث أو استذكار مصطلح "الشخصي سياسي" في هذا الوقت ليس مجرد تذكير بتلك النضالات التي قامت بها نسويات في عقود ماضية، بل تبرز أهميته من تشابه الأوضاع في عالمنا العربي خصوصاً مع ما كان رائجاً في تلك الحقب الماضي، إذ ما تزال الكثير من نساء مجتمعاتنا تقمع وتكمم أفواههن لمجرد محاولة طرح مشكلة خاصة مع الزوج أو غيرها مما تتعرّض له، ويمكن ملاحظة تلك الحقائق من خلال البحث عن أعداد الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش في الأماكن العامة والخاصة على حد سواء، وبين أعداد من يتجرأن على اللجوء للمحاكم أو تقديم شكاوى بحق المعتدي لا سيما عندما يكون أحد أفراد الاسرة، أو أقله البوح بما يتعرضن له للأم أو إحدى 

القريبات.

من هنا يغدو طرح هذا المصطلح أو التعبير عنه ضروريّاً في بلادنا لخلق وعي أكبر وأوسع لدى النساء لطرح مشكلاتهن في الحياة العامة من دون خجل أو وجل، والتأكيد على ضرورة طرحها أمام التنظيمات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية التي تملك سلطة تمكنها من تمكين المرأة من كسر الحواجز التي تطوقها، فضلاً عن إتاحة الفرصة والدفع لتغيير القوانين والتشريعات التي ما زال الكثير منها مجحفاً بحق المرأة ويمارس عنصريّة واضطهاداً علنياً ضدها، ولا بدّ للأحزاب السياسية من تبني تلك القضايا وإتاحة المجال أمام المرأة لتقول كلمتها وتصل إلى مواقع أكثر مما هي عليه اليوم في بلادنا.