محمد فتاح.. ظلال الصيادين

منصة 2024/07/03
...

 حبيب السامر


في ذاكرة كل فنان تسمو مفردات لغته التشكيليَّة، والحوار اللوني مع تصاعد الفكرة لتنمو على قماشة اللوحة موجودات مدينته، ببساطة مفعمة بتكوينات دلاليَّة تنساب بروحيته التي تتشكّل عبر تجربة مغموسة بواقع جمالي يلقي بظلال حواسه وهي تتمازج مع تكوينه في فضاء تعتمد على مرجعياته اللونيَّة في الطبيعة التي عاش فيها، وبث روحها وخطابها الجمالي لدى المتلقي.

للتشكيلي محمد فتاح أسلوبه في بناء رموزه وشخصيات أعماله وتوظيف التقانات الفنيَّة المختلفة في التكوين الإنشائي واللوني وحركة اتجاهات وصولاً إلى المتعة الجماليّة، بعد أن نفذ أكثر من خمس وخمسين مشاركة متوزعة بين نحو عشرين معرضا شخصيا، وأكثر من خمسة وثلاثين مشاركة في معرض جمعي داخل العراق وخارجه، له أعمال منشورة في بلدان أوروبيّة، وآسيوية، وأمريكية، ودول أخرى، نال العديد من الجوائز والأوسمة الذهبية والشهادات المتنوعة، ونظم سيمبوزيومات عديدة في سركلو، حلبجة، جامعة البصرة، الجبايش، الموصل، بابل، الرمادي، فضلا عن أعماله المتنوعة في الكاريكاتير، تصميم الأغلفة، وأعمال الديكور، والنماذج والشعارات لبعض المؤسسات.

آخر معارضه الشخصية الذي أقيم في أربيل، ضم أكثر من "42" لوحة جديدة تحت عنوان "ظلال الصيادين" وهو خطاب موجه إلى الذين يقومون بأعمال تؤذي الطبيعة والحيوانات وشبههم بشباك تنتظر فريسة الطبيعة، على الرغم من تنظيمه لأول معرض له كان في عام 1987، وبين هذين المعرضين كانت هناك العديد من المعارض داخل الوطن وخارجه، ربما كانت البدايات تشتغل على الأعمال الدراسيّة والأكاديميّة، ثم تطور أسلوبه بحكم قراءاته المتنوعة إلى الشخوصيّة والواقعيّة السحريّة، ليدخل إلى المدرسة التجريديّة، وقد تأثر في بداياته بالفنانين الأوربيين "جاك سون بولوك، باول كليه، جورج دوستايل"، وبين كل هذه المدارس مارس هوايته المحبّبة وهي رسم الطبيعة في كوردستان، والأهوار، والنخيل، ومعالم البصرة والموصل، فضلا عن المشاركات الجمعية الكثيرة مع مجموعة فنانين. 

كتب عن تجربة فتاح العديد من النقدة التشكيليين ومن بينهم، ناصر الربيع الذي قال: محمد فتاح الدارس للفن المفعم بإسبانية ألوان تحيطه تلك التي نشأ فيه، والمتخم بتجربة طويلة في معارض ومشاركات، تنساب تكويناته على سطح اللوحة بشكل أكثر رهافة وبساطة في معالجة الموضوع بروحيّة تستلهم الحياة.

أما الناقد عادل كامل فقد تناول تجربة فتاح من حيث اشتغال حساسيّة هذا الفنان بموازاة موقف العقلاني في النص الفني، فالحواس لها عملها الصريح، التمثل بالحركة البصَريَّة بكثافتها، استجابة لعلاقة الرائي بالمرئيات، حيث الفجوة، كما في الجاذبيّة النيوتنية ممتلك سرها، هذا الفضاء المزدحم بكل عناصره التي صارت بناءً، أشكالاً، تدفقاً لونياً لا يكتم عاطفة حادة أو صافية ولم تغب مرجعيات الطبيعة في تكوين 

تجربته.

تزدحم ذاكرته وتعود إلى النوستالوجيا في عمل فني تشتغل على واقع مؤثر في منهج التكوين لدى الفنان، الصور الماضية والعالقة في الذهن سرعان ما تجدها عبر طريق اللا وعي وتداخلها لتندمج مع وعيه، حيث يعد الفن التشكيلي مفخرة الإنسانيّة وتقدم شعوبها وتأثيره في تسيير عجلة الحياة الجماليّة، لذلك يتنفّس الفنان رموزه ورائحة اللون واشتغالات متعددة تواكب الحضارة.

يلعب الفنان دوره في محاولة استعادة الأشكال والأدوار داخل محيط اللوحة، وحين يشتغل على رسم بعض الصور يحسّ وكأنّه في حوار مباشر معها، يتحدث إليها، وتحدثه، هكذا هو الاندماج الروحي والحسّي مع اللوحة لتكتمل مسيرة الحب والجمال.

يدعو دائماً إلى المطالعة والمتابعة ومواكبة التطورات الفنيّة والتشكيليّة والبحث المستمر لتطوير الذات، لأنّ الفنان ابن بيئته ولا بدَّ أن يعبر تلك المقولة ويتحاور مع الجميع ويتابع آخر المستجدات على الساحة الفنيّة، ويحول علاقاته من الدوائر الصغيرة إلى الكبيرة والاحتكاك مع حركة الفنون والآداب الأخرى.