أحمد عبد الحسين
تتكاثر نُذُر حرب "إسرائيلية" وشيكة على جنوب لبنان. التحركات العسكرية على الجبهة تشي بذلك، والتعليقات الرسمية كما التحليلات السياسية تؤكده، وبين مجزرة وأخرى يقوم بها الكيان ضدّ أطفال ونساء غزة يدير الصهاينة وجوههم شمالاً حيث عدوّهم المسلّح والمستعدّ للردّ، ويعرفون أن كلفة توجيه السلاح ضدّه لن تكون سهلة يسيرة كحروبهم التي يخوضونها الآن ضدّ الأطفال والنساء.
إسرائيل تختنق بسمومها التي تطلقها على الأبرياء، ولأول مرة في عمرها القصير يستخدم رئيس وزرائها مصطلح "الحرب الأهلية" محذراً من أن المضيّ في هذا التشرذم السياسي وصراع الرؤى والإرادات قد يفضي إلى اقتتال داخليّ لن تحتمله "دولة" يشعر ثلاثة أرباع شعبها أنه طارئ عليها وأن إقامتهم فيها مؤقتة.
ترحيل أزمات حرب غزة إلى حرب أوسع قد يكون الخيار الوحيد الذي يجول في رأس نتنياهو الذي أصبح مطلوباً حتى من حليفه بايدن بعد أن كبرت كلفة الرهان عليه، خاصة أن أغلب المستوطنين الصهاينة باتوا لا يرون مخرجاً لأزمتهم إلا في رحيل حكومته ومجيء أخرى، لأن نتنياهو أثبت لهم عياناً أنه عاجز عن الانتصار في الحرب أكثر من عجزه عن السلام.
الهروب إلى الأمام خيار متاح دائماً لمن لا يعرف كيف يخرج من مأزقه، لكنّ فتح جبهة واسعة وخطرة كجنوب لبنان لا بدّ أن يكون مؤطراً بخطة أوسع تشمل المواقف التي ستهبّ من إيران وسوريا واليمن وصولاً إلى العراق، وتشمل غطاءً أميركياً سينظر بجديّة تامة صوب الشرق حيث روسيا والصين.
لن تكون نزهة، كما لم يكن اجتياح 1982 نزهة، مع فارق أساس، وهو أن حزب الله وترسانته العسكرية لم يكونا موجودين آنذاك ولم تكن "إسرائيل" منشغلة بمصيرها القلق كما هي الآن.
في مدوّنات اليهود الحريديم أنه ما من دولة يهودية عمّرت أكثر من ثمانين سنة، وهم يأخذون هذه الأسطورة على محمل الجدّ، وها هي الدولة اليهودية تقترب من عامها الثمانين حثيثاً، ونتنياهو وعصابته على ما يبدو لا يريدون أن يكذبوا الأساطير. فكراهية العالم لهم تنمو باضطراد وخطابهم الإعلاميّ بدأ يتقشر عن عنصرية قبيحة واستعلاء على العالم كله وشهوة للقتل لا حدود لها.