سلطان صاحبة الجلالة

آراء 2019/06/13
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 
ليس من السهولة بمكان، ان يصل الواحد منا الى بلاط صاحبة الجلالة، (الصحافة)، الا إذا كان من ذوي الحظ العظيم، وهذا الحظ، قطعا لن يكون عظيما، ما لم تكن لدى صاحبه جهود وتطلعات كبيرة تساعده على تشييد صرح الحظ العظيم، فقضية “القسمة والبخت” لن تكون ذات اثر، للظفر بمقعد في ذلك البلاط المهيب، وان عملت الظروف أو الصدفة على تحقيق امر من هذا القبيل، فان المقام لن يطول بصاحبه، اذ سرعان ما يتم ابعاده خارج أسوار  البلاط ..
ولعل قائلا يقول، واين هذا الكلام من الواقع الذي نعيشه اليوم، اذ تغص اروقة بلاط صاحبة الجلالة، بالكثيرين الذين لايعرفون من الصحافة سوى اسمها ؟ .. وقد يكون مثل هذا الكلام وارداً، في ظل الكثير من الظروف التي اكتنفت واقع الصحافة العراقية خلال العقود الأخيرة، ولكن في المقابل أيضا، يبدو جليا للمتتبع والدارس، ان الكثير ممن دخلوا الى البلاط، غادروه، مطرودين أو خجولين، لانهم، لم يكونوا من ارباب المهنة، ولا يحملون من أدواتها شيئاً، ومثل هذا الأمر مستمر، مع وجود الكثير من الإجراءات والفعاليات التي فضحت المتطفلين والطارئين على الجسد الصحفي في العراق، ما يجعلنا متفائلين بمستقبل افضل لواقع الصحافة العراقية، التي نحتفل بذكرى عيدها الـ(150)، في ظل ظروف، تبدو افضل مما كان عليه واقعنا الصحفي قبل سنوات، وتحسن الظروف هنا، لايعني باي حال من الأحوال ان الصحفي العراق، بات اميرا، يمشي ملكا في قصور صاحبة الجلالة، بل ما زال يواجه الكثير من الصعوبات التي تعرقل عمله في احيان كثيرة، فالحصول على المعلومة، ليس بالأمر الهين، فلدينا بعض مؤسسات الدولة، تنظر الى الصحفي وكأنه جاسوس يعمل لحساب جهات معادية، ومثل هذا السلوك من شأنه ان يبعد الصحافة عن اداء دورها الحقيقي، وبالتالي حرمان الرأي العام من الحصول على المعلومة، مايضطره الى البحث عنها من مصادر غير موثوقة، وقد يحصل على معلومات مظللة، لاتمت للواقع بصلة، ومثل هذا الأمر، ادى الى نمو ظاهرة التظليل المعلوماتي التي تضطلع بها مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها (الفيسبوك)، والمصيبة ان تلك المؤسسات التي لجأت الى حرمان الصحفي من المعلومة، تجد نفسها  مضطرة، لنفي معلومات وأخبار جرى تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن نفيها لن يكون مؤثرا، بعد انتشار الاخبار الكاذبة، مع تعطش شديد وتفاعل كبير من قبل الرأي العام مع مايشاع، لذلك هي دعوة صادقة لجميع مؤسسات الدولة، الى التعامل الإيجابي مع الصحافة والإعلام، وعدم حجب المعلومة عن الرأي العام، ولكن في المقابل، مطلوب أيضا من الصحفيين والإعلاميين، ان يقوموا بدورهم كما يجب، بعيدا عن الابتزاز، فهم في نهاية المطاف، يمثلون واحدة من أقوى السلطات، حتى سُميت الصحافة بـ(السلطة الرابعة) بسبب قوتها وتاثيرها الكبيرين .
نعم، ان الصحافة العراقية اليوم، إذا ما قورنت بزميلاتها في البلدان المجاورة وبلدان العالم الثالث، تعد افضل حالا، لما يتمتع به الصحفي العراقي من حرية، ربما يحسده عليها زملاؤه في دول اخرى، فقد يكون العراق، هو البلد الوحيد في المنطقة الذي ليس فيه صحفيون معتقلون، بسبب ارائهم أو مواقفهم الصحفية،  ذلك لوجود قوانين وتشريعات تحمي الصحفي، وما يعزز هذا الأمر، وجود نقابة للصحفيين ذات فعل مؤثر في المشهد العراقي، وقد امتد الق هذا التأثير الى خارج أسوار الوطن، عندما اتفقت كلمة الزملاء الصحفيين  العرب على اختيار نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي، رئيسا لاتحاد الصحفيين العرب .
وقبل ان اختم هذا البوح في رحاب صاحبة الجلالة (الصحافة العراقية)، وهي تنير شمعتها الـ(150)، لدي تساؤل اطرحه على المعنيين بتاريخ الصحافة، اذ تشير المعلومات التاريخية، الى ان اول صحيفة صدرت في العراق هي صحيفة (جورنال عراق) بالغتين العربية والتركية في عهد الوالي داود باشا، وكان ذلك في عام 1816، فلماذا لأيتم اعتماد هذا الحدث تاريخا لولادة الصحافة العراقية، بدلا من التاريخ المعتمد اليوم الذي يؤرخ لصدور جريدة الزوراء البغدادية في عام 1869 وباللغتين العربية والتركية أيضا؟
وقد تكون الإجابة، ان الاولى لم تستمر طويلا، فيما عمّرت الزوراء نحو نصف قرن من الزمان وأسهم فيها الكثير من الصحفيين العراقيين على مدى سنوات صدورها ..نعم هذا صحيح، ولكن تبقى احداث التاريخ هي الفيصل، طالما اننا نؤرخ لحدث مهم يرتبط بتاريخ ولادة صاحبة الجلالة .
وفي ختام البوح، الرحمة والخلود لشهداء الصحافة العراقية الذين كانت دماؤهم الزكية مدادا لأقلام الحرية، الم يقل الشاعر (وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدق)، وللجرحى والمصابين الشفاء العاجل، متمنياً لجميع الصحفيين العراقيين دوام التألق والنجاح، وهم يواصلون جهادهم الصادق في محراب الكلمة الصادقة والمعلومة السليمة .. كل عام وسلطتنا الرابعة بخير .