عادل كاطع العكيلي
إنّ الإنسان المؤمن يسعى دائماً في كلّ زمانٍ ومكان لنيل المغفرة والرحمة الإلهيّة وتحصيل الثواب والأعمال الصالحة والخيِّرة، لأنّ الله تبارك وتعالى يطلب من عباده المسارعة إلى تحصيل مغفرة الله والتسابق إلى فعل الخيرات.
ومن جملة الأمور الفيّاضة بفيض الله دائماً وباب رحمة الحقّ المفتوح أبداً ومنبع الخيرات والثواب الإلهيّ هو باب وطريق أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام عموماً، وسيّد الشهداء عليه السلام على وجه الخصوص، ولذا فإنّ كلّ من له علاقة ما بالإمام الحسين عليه السلام وكلّ من تعلّق بأذيال هؤلاء الأئمّة الأطهار عليهم السلام نال بحار فيض الله الواسعة ورحمة الحقّ تعالى.
إنّ إحدى الطرق للارتباط بسيّد الشهداء عليه السلام ومن المصاديق البارزة له هو إحياء شعائر الحسين عليه السلام والتي ذكرت الروايات الكثيرة الثواب الكبير جدّاً لها، ومنها:
أـ رواية مسمع البصريّ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «أما تذكر ما صُنع به؟ يعني الحسين عليه السلام قلت: بلى، قال: أتجزع؟ قلت: إي والله واستعبر بذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فامتنع عن الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، فقال: «رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويأمنون إذا أَمِنَّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها... ما بكى أحدٌ رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرٌّ، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمُحبِّنا إذا ورد عليه حتّى إنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه...».
وقبل أیام قلائل ذكّرني الصدیق الطیب الذكر علاء الجبوري بأنْ أتهیّأ لاستقبال شهر محرم الحرام، وقد تناولنا في حدیثنا ما یرافق هذه الشعائر من ممارسات سلبیة نتمنى أنْ یتمَّ تجاوزها من قبل خدام المواكب الحسینیة، لأنَّ الإمام الحسین (ع) كان ولا یزال رمزاً للأحرار، وتلك المظاهر السلبیة التي ترافق الشعائر تضرّ بهذه الرمزیة، وسوف نعرج على هذه الظواهر لكي یلتفت إلیا الأخوة خدّام المواكب جزاهم الله خیراً، ولقطع الطریق على من یحاول أنْ یوجّه أصابع النقد لتلك الشعائر وأول ما نؤكد علیه هو مسألة إقامة المواكب في طریق السائرین وفي غیرها من الأماكن، فإنَّ تلك المواكب قد خصصت لها أماكن مناسبة لإقامتها وذلك ما نراه ونلمسه في طریق السائرین إلى كعبة الأحرار (كربلاء)، ولكنْ ما یدهشنا وجود مواكب قد وضعت بشكلٍ یعیق طریق السیارات والمارة بشكلٍ واضحٍ وكذلك نزول مواكب اللطم والتطبیر أمام هذه المواكب في المناطق السكنیة وما یسببه من قطع للطرق وما یولده من حالة التذمر عند الناس لإعاقتها نقل المرضى ومعالجة الحالات الطارئة، ولا ننسى ظاهرة المسیر أثناء قیام وقت الصلاة وعدم الالتفات الى إقامتها في وقتها المحدد، في حین إنَّ الإمام الحسین (ع) أقام الصلاة في وقتها في ساحة المعركة وتحت وقع السهام، فضلاً عن ضرورة الالتزام بعدم رفع الصوت من خلال المكبرات بشكل یؤذي السامعین من المرضى وكبار السن أثناء إقامة مجالس العزاء في المناطق السكنیة، وكذلك ظاهرة رمي النفایات في الطرق والأماكن العامة بشكلٍ مزرٍ ولا یناسب الذوق العام، ولكوننا لا ننكر ما للمجالس الحسینیة من دورٍ في تثقیف المجتمع وهدایة الشباب والتزاماً بما حثّ علیه أئمة أهل البیت علیهم السلام وبما نصّ علیه القرآن الكریم في قوله تعالى (ذَٰلِكَ وَمَن یُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهَّ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32) الحج، من أجل تحقیق الهدف من إقامة العزاء على سید الشهداء (ع).
كما أننا یجب أنْ نبتعدَ عن إقامة المجالس من قبیل عدم تحریف الهدف من إقامة العزاء، إذ إنَّ هدف هذه المجالس هو القضاء على الجهل في المجتمع وهو هدفٌ جمیع الأنبیاء السابقين والأئمة المعصومين علیهم السلام، ومن أهداف هذه المجالس أیضاً التعریف بقضیة الحسین (ع) ولیس الاقتصار على البكاء والعویل، ولهذا یجب على الخطیب الاعتماد على المصادر المعتبرة في نقل الوقائع والأحداث مع العلم أنَّ تاریخ عاشوراء یتمتع بالمصادر التاریخیة المعتبرة أكثر من أي موضوعٍ آخر، لكنَّنا للأسف نرى عدداً من الخطباء ومنشدي المراثي یرددون على المنابر كل ما یقرؤونه ومن أي مصدرٍ ولا یمحصون ما یقرؤون من الروایات.