الجريمة الصهيونيَّة وما بعدها

قضايا عربية ودولية 2024/07/15
...

علي حسن الفواز



ليس غريبا أن يواصل الكيان الصهيوني مخطط القتل الممنهج للشعب الفلسطيني، وتحويل الأرض إلى أهداف مُختارة له، فما يحدث يؤكد إخفاق المجتمع الدولي في منع جرائم هذا الكيان، وفي العمل على إيقاف شامل لإطلاق النار، كما أنَّ تحميل الإدارة الأميركية هذا الإخفاق بات حقيقة واقعة، فـ" جنرالات الحرب" يتحركون في جولاتهم المكوكية وكأنهم في نزهة، ورجال الدبلوماسية الأميركية جعلوا من المنطقة مختبراً لأطروحاتهم عن "وهم السلام" وهذا ما يُعطي ضوءاً أخضر لحكومة "نتن ياهو" بمواصلة العدوان، وما يستتبعها من سياسات مريعة للقتل والتجويع وتدمير البنى التحتية، واغتيال من تراه ضمن سردياتها كـ"صيد سمين" من الأطفال والنساء.

البحث عن "حل" لهذا العدوان المفتوح، لا يحتاج إلى معالجات سحرية، ولا إلى حرق الضرع والزرع، بقدر ما يتطلب إرادة دولية حقيقية، ونوعاً من "الصحو الأخلاقي الأميركي" حتى تتوقف المجزرة، بعيداً عن دبلوماسية الأوهام التي يمارسها البعض في هذا البلد أو ذاك، وسط مماطلة صهيونية، وضغوط تفترض قهر الإرادة الفلسطينية، ومنعها من الحصول على حقوقها التاريخية..

لقد كشف هذا العدوان عن عالم "ما بعد الليبرالية" حيث عجز الليبراليون الجدد عن أيّ معالجة أخلاقية للعدوان، ولتدمير الشعوب، وهو ما جعل الجماعات المدنية تسعى للبحث عن عالم آخر، عبر التظاهرات والاحتجاجات لتعرية إرهاب هذه الحرب، ورفض سياسات صنّاعها الذين يفترضون أنَّ نظرية القوة هي وحدها من يُعيد لـ"الغرب" هيبته التي فقدها في الحرب الأوكرانية، وفي الحرب التجارية مع الصين، وفي الحرب الكولنيالية في أفريقيا وفي أميركا اللاتينية.

الشعب الفلسطيني ليس شعباً خارج التاريخ، وحقوقه ليست أساطير كما تتوهم الميثولوجيا الصهيونية، لذا ينبغي أن يكون الأمر جزءاً من المسؤولية الدولية، ومن المسؤولية الأخلاقية، وفي السياق الذي تتكيف فيه مواثيق العمل داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفي منظماتها المتعددة- الإنسانية والحقوقية والإغاثية- حتى يمكن النظر إلى ما يجري في غزة بوصفه جريمة تجاوزت تاريخ أحداث الحروب العنصرية التي صنعها الغرب في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

إنَّ ما يصرّح به رموز الصهيونية "وزير الأمن القومي بن غفير، ووزير المالية سموتريتش" في حكومة "نتن ياهو" لا يختلف عن أطروحات "الحاخام عوفاديا يوسف" الداعية إلى الإبادة العنصرية، والتي تشكّل في جوهرها برنامجاً فاضحاً لما يجري في فلسطين، ولما تسنده من مواقف دولية غربية وأميركية تقطع الطريق على أيّ إجراء أممي لمنع استمرار هذا القتل المفتوح، والذي أضحى يمثل عاراً دولياً تتحمله الدول التي تصنع أوهام الديمقراطية والليبرالية والعلمانية.