عاشوراء.. كلمة حقٍ ومنهج

ريبورتاج 2024/07/17
...

عصام كاظم جري

منذ الأوّل من شهر محرم وفي كل عام تحيي الطائفة الشيعيَّة في جميع أنحاء العالم وعلى مدار أربعين يوماً ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، في معركة الطف على يد طواغيت السلطة والفساد والاستبداد.
وتعدُّ هذه الذكرى أيامَ شهادة وتضحية وفداء، إذ تشهد الهند وباكستان وإيران ولبنان والكويت والبحرين والسعوديَّة، فضلاً عن دولٍ أخرى حول العالم فعالياتٍ ضخمة لإحياء يوم ذكرى عاشوراء.
وحقيقة ليس هناك أي رابطٍ بين الطقوس والشعائر التي عُرفت باسم "الشعائر الحسينيَّة"، وبين قضيَّة استشهاد أبي الأحرار عليه السلام، إذ يؤدي بعض الشيعة عروضاً تمثيليَّة ومسرحيات عزاءٍ في الشوارع والحدائق والميادين العامَّة، نعم لا نختلف بأنَّ هذه العروض تجسدُ ما وقع من مصائب في معركة الطف، وما جرى فيها من قتلٍ وحرقٍ وسبيٍ لبيت النبوة، ولكن موضوع الإمام الحسين وأصحاب الحسين أكبر وأعظم من كل ما نراه اليوم من شعائر كالتّطبير واستعمال السيوف والجِمال وجلد الظهور بالسلاسل الحديديَّة "الزنجيل"، أو شعائر المشي على الجمر، استذكاراً لحرق الخيام في واقعة الطف أو التّطيين.
وأرى توافد الزوار من داخل وخارج العراق لإحياء يوم عاشوراء في مدينة كربلاء، والاستماع لبعض المحاضرات والقصائد الحزينة المغنّاة التي تشيد بمآثر أبي عبدالله وتستذكر واقعة الطف أمراً مستحباً ومستحسناً.
مهما نقول عن الحسين، ومهما نكتب، فلن نصل فيه إلى ما قاله رسول الله "ص": "مكتوب على ساق العرش إنَّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة"، الحسين سيد الثائرين، إذ ارتفع هتافه إلى أبواب السماوات ضد حكم الطغاة والفاسدين، عاشوراء ليست حادثة من حوادث الدهر العابرة، وإنَّما منعطفٌ كونيٌّ، مع الحق كل هزيمة نصرٌ وبالباطل كل انتصار حرامٌ، هذا هو ميزان السماوات،
وما زالت رواية عاشوراء لم تكتمل فصولها، ففي كل بقعة أرض ثمّة ظلمٌ، وفي كل يوم قتل وحرق وتهجير للإنسانيَّة.
نعم القضيَّة الحسينيَّة مبنيَّة على أسسٍ عقلانيَّة ومنطقيَّة، لذا انتصر المنطق انتصاراً تاريخياً على شهوات المنافع والمكاسب الدنيويَّة الزائلة، سيد الشهداء في واقعة كربلاء صانع مواقف وقالوا في هذه الصناعة:
"ما فعله الحسين وأصحابه صعباً عليهم أن يقاتلوا أو يقتلوا.. ولكنهم لو لم يفعلوا ما صنعوا، لكان عليهم أصعب".
إذنْ القضيَّة ليست شخصيَّة، بل هي مشروعٌ، وليست مشروع أسرة أو قبيلة، وإنما منهج، وليست شعاراً بل موقف.
الكلمات غير كافية بغية أنْ تعبّرَ عن موقف الحسين، فهو صوت الحق وروح الفضيلة.