امستردام: آمنة عبد النبي
تخيلوا، صُممّ بطريقة هندسيّة شبه خفيّة وغير تقليديّة، يقسم الماء لنصفين فلا يكاد يُرى عن بُعد، حتى يُوفّر لزوّار الحصن ممر مُشاة آمنٍ ويتلاءم مع الأجواء القديمة والمُحيطة بهذا التراث البيئيّ النادر، يسميه الهولنديون بجسر الخندق المحفور، أو الجسر الغارق بقلب البراري، وكذلك اخذ لقب جسر موسى لأنه يذكرنا بمعجزه انشقاق البحر بعصا النبي موسى، لأن هذا الجسر الذي يقع في قلعة فورت دي روفير التاريخية، يظهر متمرداً ويشق بطريقة الاعجاز البيئي قلب البحيرة والغريب، إنه مبنيّ من خشب الاكويا الصلب وذلك ليصمد قدر الإمكان، ويقاوم التسوس ونمو البكتيريا والفطريات على جدرانه، وبالتالي يمكن أن يتحمل ثقل وتآكل المياه لفترة
طويلة.
رمزيّة التُراث الديني
السائح المهندس علاء محمد، كان مولعاً بزيارة القلعة والمرور بجسر النجاة كلما قدِم لزيارة المملكة، حيث قال باعجاب:”هو بالحقيقة مزارٌ سياحيٌّ لغالبية السوّاح والجاليات المُسلمة باعتباره مُلهماً للاعتقاد، وأشار إلى أن التراث الاسلامي يشكل ركناً اساسياً في ذاكرة الشعوب، مهما ابتعدت عن جغرافيتها، وجسر موسى المبني تحت مستوى المياه ولا يمكن رؤيته بوضوح من مسافة بعيدة، يشكل جزءاً عقائدياً مهماً لدينا، فالمشاة يعبرون وهم داخل المياه دون أن تلمسهم وهنا تتضح ثيمة الاعجاز، ولعل اسم الجسر يوضح معناه تماماً، فهو مقتبس من قصة سيدنا موسى، عندما شق البحر الأحمر بعصاه وعبر منه سالماً هو واتباعه، الفكرة مشابه تماماً”.
حداثة الإعجاز البيئي
اما الفنان التشكيلي سعيد الصفار وهو من سكنة العاصمة امستردام، اعتبر جسر النجاة هو فكرة غريبة، رغم أنها مستوحاة من تراثنا الديني لكن بطابع حداثوي، حيث قال: يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر الميلادي، حيث قام بتصميمه وبنائه مجموعة معماريّة احترافية وبجانبه يقع حصن أثري قديم، أجده بصراحة، يشبه تحفة فنية بفكرة غير تقليدية ومُذهلة في مجال الهندسة المعمارية، جسر غارق يعبر بك الماء بهدوء نحو البرّ الآمن، حين تمشي بمنتصفه يظن البعيد في الجهة المقابلة انك تعبر بملابسك، وللحفاظ على ديمومته استخدموا خشب الأكويا الصلب والمُعدّل بتكنولوجيا حديثة، ليُقاوم البكتيريا والفطريات لبنائه وبالتالي يمكنه أن يتحمّل الماء لفترةٍ طويلة.
عُشاق الغرائب التاريخية
اما الكاتبة المُغتربة رشا ماجد، فاعتبرت ان الانسان يظل يقاوم تحديات الطبيعة ويبتكر ما يعزز آمانه، حيث اكملت:”هذا الجسر يشبه الإنقاذ التراثي الذي يتكرر عبر التاريخ في الحروب وحماية الاوطان قياساً لرمزيّة جسر النجاة وبعده الروحيّ، لانه صُمم بطريقة ذكية تقوم ركائزه على مجموعة من السلالم لصعود السوّاح والنزول، يتوسط سدين أحدهما على الجانب الأيمن والآخر على الجانب الأيسر والذي يعد مزارا هاما يجذب آلاف السياح سنوياً ومحبيّ الغرائب التاريخية والإعجازات المستنسخة، ورغم أن الهدف الرئيس للجسور هو ربط الجهتين ببعضهما، إلا أن هذا الجسر يمثل اندماجًا قويًا ما بين الفن والهندسة والتراث”.