عبدالله الجيزاني
تعتبر الأحزاب السياسية عادة في الدول المستقرة أحد اجنحة الديمقراطية، فتطرح مشاريع مختلفة، تصب في النهاية في خدمة المواطن، كل حسب رؤيته وتصوره لافضل هذه الخدمة.. هذا ما يفترض حصوله..
الطبيعي أن هذه الاحزاب يتأهل بعضها بأصوات جمهوره وثقة الناس في طروحاته ليتصدى للحكم، بينما تقسم باقي الاحزاب بين مؤتلف مع الحزب الحاكم وبين معارض يتكامل مع الحكومة ليشكلا جناحي عملية هدفها واحد.. خدمة المواطن.
العراق بعد عام 2003 وعندما تحول من نظام ديكتاتوري قمعي الى اخر ديمقراطي، عادت إليه أحزاب كانت معارضة للنظام وأخرى تشكلت مستثمرة الأجواء الديمقراطية.
كان يفترض أن يكون سلوك وهدف جميع الأحزاب الخدمة التي تحقق تطلعات المواطن العراقي.. لكن هذا الذي لم يحصل لأسباب عديدة أبرزها المراهقة السياسية لبعض هذه الأحزاب التي تعتقد أن الحكم والمنافع الذاتية للحزب وأفراد هو الهدف النهائي لتشكيل الأحزاب!
لهذا وجدنا أن جناح المعارضة غائب عن التجربة العراقية منذ عام 2003 وليومنا.. باستثناء محاولة يتيمة للمجلس الأعلى عام 2010 لم تأخذ نصيبها من الأضواء بسبب الضوضاء السياسية والاعلامية، كذلك غابت عن هذه الأحزاب أو غيبت في صفوفها خدمة المواطن الذي يمثل الهدف النهائي لعملها، لتقتصر خدماتها لبعض أفرادها من التعيينات والمناصب والصفقات والمقاولات..
رفعت معظم هذه الأحزاب شعار “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” وفق المفهوم الجاهلي، ليحصل معظم الفاسدين على حصانة حزبية غير شرعية، كان من نتائجها استشراء الفساد في مفاصل الدولة التي غابت مؤسساتها بسبب أهداف الأحزاب المشوهة.
من نتائجها أيضا اتخاذ الإصلاح ومحاربة الفساد شعار لاستغفال واستغلال الجمهور في معادلة غريبة.. فمن أسس للفساد بأدائه بعلم أو بدونه؛ جاء اليوم ليرفع شعار مكافحته!
أمام كل هذا الواقع غاب المواطن، وغيبت خدمته وأصبح الانتماء الحزبي هو السبيل الوحيد، المتاح أمام المواطن ليحقق بعض حاجاته المعيشية.
الحال أعلاه لم يثمر ولن ينتج دولة أو خدمة مهما طال الزمن أو قصر ومهما علت الشعارات والخطابات الرنانة والإدعاءات الكاذبة، إذا لم ترافقها معالجات تبدأ من داخل الاحزاب نفسها.. فتعي الدور الحقيقي المطلوب منها وتدرك مسؤوليتها الاخلاقية والإنسانية أمام المواطن لا المتحزب لها فقط..
أفضل سبيل لذلك أن تمارس الأحزاب الدور التكاملي مع مؤسسات الدولة لادور البديل عنها كما هو الحال اليوم، وتمارس دور الخدمة العامة لكل مواطن باستثمار ما لديها من مواقع في مجلس النواب أو الحكومة، عند ذاك تحل كثير من المعضلات أمام الناس، فانتشار مقرات هذه الأحزاب على الرقعة الجغراقية للبلد، من القرى حتى الأقضية ومراكز المدن، كما أن لكل حزب عددا من النواب والمسؤولين التنفيذيين موزعين على لجان متعددة ومسؤوليات مختلفة، فعندما ترفع مظلومية أو شكوى أو حاجة لخدمة معينة يمكن إيصالها للمسؤول المختص بهذه الحاجة او للجنة النيابية المعنية، مع التنسيق المشترك بين هذه الأحزاب سيتشكل رأي ضاغط على الحكومة يجبرها على حسن الأداء ويصبح وجود المقرات الحزبية عاملا ايجابيا تسعى له الناس، وتتسع القاعدة الجماهيرية لهذه الأحزاب والعملية السياسية برمتها خاصة مع وجود حالة نفور كبيرة في الوسط الجماهيري من هذه الأحزاب امتدت للنظام السياسي كاملا.
دعوة مخلصة للأحزاب للقيام بمراجعة شاملة لأدائها لا لهيكلياتها التنظيمية فقط، والاقتراب من المواطن لا متحزبيها ومقربيهم.. وأداء دورها كأهم مكونات الديمقراطية، ونبذ الحزبية المتطرفة التي تحولت لفساد وانتشار للصفقات والمساومات بشكل عرقل بناء الدولة وتقديم الخدمة للمواطن، لتدارك الوضع الذي يتردى بشكل واضح.
لم تعد الشعارات والخطابات تجدي نفعا لأنها لم تنجح بمعالجة حالة أوجدها أصحاب الشعار والخطاب أنفسهم..