مواجهة الفساد المتأخرة

آراء 2019/06/14
...

صادق كاظم
 يعد الفساد واحدا من اخطر التهديدات التي لم يسبق للدولة العراقية ان تعرضت لمثلها منذ تاسيسها في العام 1921 وحتى الان  وما اصبحت عليه احوال العراق الاقتصادية ما هو الا دليل واضح على دور الفساد الواضح فيما وصلنا اليه بحيث بات العراق يحتل مركزا متقدما في مستويات الدول الاكثر فسادا في العالم ,حيث لم يكن قد عانى من مثل هذا الفساد الضخم من قبل , بل بالعكس كان في مقدمة دول العالم بالنزاهة والحفاظ على المال العام .
اجراءات مكافحة الفساد لا تزال خجولة وقاصرة والعراق يحتفظ بصدارة السجل العالمي في معدل انشاء الاجهزة المضادة للفساد من دون ان تنجح في القضاء عليه فهو يمتلك اكثر من 20 جهازا متخصصا بملاحقة ومراقبة اعمال الفساد وهو رقم صادم ومرتفع ,لكنه بطيء في فعاليته مقارنة مع دول اخرى في العالم التي لا تملك سوى جهازا ماليا واحدا لكنها تكافح الفساد بشفافية عالية  , ومع ذلك نجحت مافيات الفساد في العراق في الاستحواذ على اكثر من500 مليار دولار امريكي . 
من الواضح ان تدخل الاحزاب السياسية في عمل مؤسسات الدولة اسهم في نمو الفساد وتضخمه الى هذا الحد المخيف ,حيث بات وحشا يلتهم جسد الدولة العراقية ومقدراتها وهناك عدد ضخم من المتهمين من الوزراء والنواب واعضاء مجالس المحافظات, فضلا عن كبار المسؤولين في الدولة ممن تلاحقهم تهم صريحة بالفساد وغالبيتهم هاربة خارج البلاد . 
توجد لدى هيئة النزاهة الالاف من الدعاوى والملفات التي يتهم فيها مسؤولون كبار في الدولة وهي تهم لم يتمكنوا من نفيها واو تبرئة انفسهم منها مما يشير الى ضخامة هذا الفساد وتحوله الى ظاهرة خطيرة جدا تهدد امن البلاد واستقرارها من خلال ارتفاع معدلات البطالة وتراجع عمليات النمو الاقتصادي وعدم قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الخارجية والمحلية المطلوبة لانعاش الاقتصاد العراقي وتحريكه ليتمكن من استعادة دوره ويسهم في تطويره وتنميته.
الحلول والاجراءات التي اتخذتها الدولة لمحاربة الفساد لم تزل ضعيفة الفعالية في الحد من الفساد ومواجهته وقائمة المطلوبين المتهمين بقضايا الفساد تتضخم وتتوسع وبالرغم من الجهود المتواصلة في ملاحقة الفارين منهم واستردادهم ومحاكمتهم داخل العراق الا ان من تم القاء القبض عليه فعلا لا يزال قليلا قياسا بالعدد الكبير منهم.
اسباب الفساد عديدة والمشكلة تكمن في ضعف الاجراءات القانونية التي تمكن الاجهزة المعنية من ايقاف المتورطين بحالات الفساد ,فضلا عن تساهل الاحكام القضائية في مسائل سرقة ونهب الاموال العامة للدولة ,حيث ان اي موظف مختلس للدولة عندما يسرق مبلغا يصل الى مليون دولار فان عقوبته في القضاء لا تتعدى السجن لعام واحد او اقل من ذلك وهو عامل بالتاكيد لا يردع المتورطين بمثل هذه الجرائم.
 الفساد المالي يكبد العراق سنويا مبالغ مالية طائلة ,فضلا عن عواقبه الاجتماعية والاقتصادية وتهديده لامن الدولة الستراتيجي عندما يجعل البلاد تمر بضائقات اقتصادية متواصلة ويحرمها من التنمية التي تعمل على ايجاد فرص العمل والوظائف وازدهار الاقتصاد,اضافة الى انه يخسر ثقة المستثمرين بالدولة وقوانينها ويشجع على خلق دولة ظل عميقة تعمل بشكل موازي الى جنب مؤسسات الدولة وتتطفل عليها وتفرض عليها انظمتها وتتحكم باداراتها ومفاصلها وهو وضع يعتبر من الخطورة السكوت عنه .
الفساد لا يتحدد بسرقة المال العام فقط ,بل هناك ظواهر ولدت من تحت عباءة هذا الفساد تتمثل بالاستيلاء على الاراضي الحكومية وبيعها بعقود مزورة او التجاوز على املاك الدولة والانتفاع منها بدون حق قانوني ,اضافة الى ظاهرة الفضائيين في تشكيلات القوات الامنية والمسلحة والتي وصلت في احد المرات ومن خلال تقرير رسمي الى قرابة الـ60 الفا , اضافة الى ابتزاز المواطنين عند ابواب المؤسسات الحكومية .
الغطاء السياسي والحزبي للفاسدين يصعب من مهمة الاجهزة القضائية ودورها في عملية مقاضاة المتهمين وهناك العديد من الحالات التي مكنت الفاسدين من الهروب بسبب تلك المظلة والحماية التي تعد تجاوزا على القانون ومداراة للفاسدين واعمالهم .
الحزم وتعديل فقرات القانون بشكل مشدد في التعامل مع المتهمين المدانين بقضايا الفساد والاختلاس امر مطلوب من اجل حصر الفساد وتقنينه وضرورة ان يبادر مجلس النواب الى الموافقة على رفع الحصانة عن اي نائب او وزير ممن يرد اسمه لدى السلطات القضائية عند توفر الادلة عن تورطه باعمال فساد مالية تضر بالدولة واحالته الى القضاء من دون الرجوع اليه او الكتل السياسية التي ينتمون اليها  وعدم اضاعة الوقت في اجرءات ادارية روتينية  تتسبب في هروب المطلوبين الى خارج البلاد بسبب تلك الاجراءات غير الضرورية ,حيث ان الحصانة الحقيقية تكمن في النزاهة والالتزام بالقانون وحماية اموال البلاد وعدم التفريط بها.