الحسين مقتولٌ لا محالة

ريبورتاج 2024/07/24
...

 حازم رعد

إن مسألة قتل الإمام الحسين "ع" مقطوع بها وكانت من أولويات اتجاه السلطة الامويَّة حتى لو فرض جدلا أنه تمَّ أخذ البيعة منه "ع"، إذ من غير المعقول أن تتقبل السلطة بقاء وجود تهديدها المستمر وهو الحسين بن علي حياً، فذلك يشكل مصدر قلقها الأكيد والذي برز عبر مراسلاتها وأوامرها المستمرة منذ موحلة وجود معاوية على عرش السلطة، فهو قد حاول في آخر أيام حكمه أن يأخذ بيعة الحسين لولده يزيد لكنه لم يفلح، حتى أنه قدم الى المدينة المنورة طلباً لذلك الأمر فكان الحسين معارضاً شديداً ونداً عنيداً.
كذلك ينقل لنا ابن اعثم الكوفي في كتاب (الفتوح) الجزء الـ (٥) بأنَّ يزيد بن معاوية بعد أنْ ورث عرش السلطة بعد أبيه معاوية قد كتب الى والي المدينة المنورة، وهو الوليد بن عتبه بن أبي سفيان وقد أصدر أوامر تقضي بقتل الحسين فقال (خذ البيعة ثانية على أهل المدينة بتوكيدٍ منك عليهم، وذر عبد الله بن الزبير فإنَّه لن يفوتنا ولن ينجو منا أبداً ما دام حياً، وليكن مع جوابك إليَّ رأس الحسين بن علي فإنْ فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنَّة الخيل) فهو يقول له أريد منك أنْ تبعثَ مع جواب رسالتي رأس الحسين فهو لم يحدثه ببيعة من قبل الحسين بل كان القتل هو السبيل الوحيد للخلاص من شخصه؛ لأنَّه يمثل اتجاه المعارضة الأهم والأكثر تأثيراً، ناهيك عن كونه هو الخليفة الراشد السادس بعد أخيه الحسن وهو نصُّ الاتفاق الذي حصل بين الإمام الحسن ومعاوية "في وثيقة الصلح بينهما"، إذ كان من المقرر في بنود تلك الوثيقة أنْ تعودَ الخلافة للحسين بن علي في حال مات معاوية ومات الحسن كذلك.
يقول الباحث عماد الدين باقي في كتابه (علم اجتماع الثورة الحسينيَّة والمجتمع الكوفي) ما نصه (لذلك لم يكن من السهل على يزيد أنْ يطيقَ وجود شخصيَّة مثل الإمام الحسين الذي هو سبط الرسول محمد "ص" وعلمٌ من أعلام العالم الإسلامي ولا يعترف بشرعيَّة الأمويين).
ولذلك هاجس الحسين "ع" بقي شاخصاً في رأس يزيد بن معاوية ولم يتمكن من دفعة إلا بإصدار تلك الأوامر القاضية بالإجهاز على الحسين وقتله وإنهاء خطره المحتمل على نفوذ وحكم بني أميَّة، وما يؤكد على سبق إرادة قتل الإمام الحسين هو استشهاد يزيد بن معاوية بأبياتٍ شعريَّة تعود لابن الزبعري حينما قتل الحمزة عم النبي والتي تقول:
ليت اشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

 ثم زاد بيتاً من نظمه هو
لست من عتبة إنْ لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
وهذه الأبيات عدل على الحقد الأعمى الذي أصاب أبناء هذا البيت الأموي وطمعهم بالسلطة وإقدامهم على فعل أي أمرٍ يتطلبه الوصول إليها، وأيضاً تدلل على أنَّ مسألة قتل الحسين كانت تجول في خاطر يزيد ولم تكن وليدة ذلك الخروج الى العراق.
والذي يحسم هذه المسألة (مسألة أنَّ الحسين مقتولٌ في كل الأحوال) على حد تعبير أحد الباحثين هو الخبر الذي ينقله ابن الاثير وهو قول عبيد الله بن زياد حينما سئل عن قتل الحسين "ع" فقال (أما قتلي الحسين فإنه أشار الي يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله) وكذلك إنَّ رسالة عبيد الله بن زياد الى الحر بن يزيد الرياحي التي تنبأ بأنه يخطط لمقتله بشعة وعظيمة للحسين وأهل بيته وهو أنْ يعطشهم ويحرمهم الماء ثم يقتلهم فقد قال في رسالته (فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصنٍ وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أنْ يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري).
من خلال هذه الرواية نعرف أنَّه تمَّ عقد العزم على قتل الإمام الحسين سواء أبايع أم لم يبايع؛ لأنَّ الحسين يشكل مصدر قلقٍ للسلطة ولأنَّه الوريث الشرعي للخلافة الراشدة وهذا ما يضني ذهن يزيد بن معاوية فلا بُدَّ وأنْ يعمل الى احترازات منها الإجهاز على الحسين بن علي (ع) ليضمن بذلك الاستقرار
 لحكومته.