جرائم المعلوماتيَّة.. فضاءٌ بلا رقيب
فجر محمد
ضع في حسبانك وأنت جالس تتصفح هاتفك النقال، إمكانية ظهور رسالة نصية أمامك تعدك بجائزة مالية أو ربما قرض ما يساعدك في تحقيق الاستقرار، أو قد تصل إلى بريدك الالكتروني رسالة يطلب فيها شخص ما المساعدة، ويشرح لك وضعه السيئ ويناشدك باسم الإنسانية أن تقدم له الدعم.
إن كنت تجهل جرائم المعلوماتية أو الالكترونية، فعلى الأرجح ستقع ضحية لابتزاز وتهديد وربما يصل الأمر إلى سحب بياناتك الهاتفية، أو صورك العائلية ومعلوماتك الشخصية.
ومع اختلاف المفاهيم التي تبين جرائم المعلوماتية، يوضح عميد كلية القانون في جامعة المستقبل الدكتور عمار عباس الحسيني، مفهوم تلك الجرائم بأن لها تسميات عديدة منها الانترنت والحاسوب والسيبرانية، أما أغلب تسميتين شائعتين هما جرائم المعلوماتية والالكترونية، والأقرب للغة العربية هي المعلوماتية ويعود جذرها اللغوي إلى الفعل علم. ومع اختلاف العلماء في ايجاد تعريف واضح للجريمة المعلوماتية فقد اتفقوا على أنها تلك التي تتم عبر الوسائط الالكترونية.
ويبين الحسيني، أن الوسيط قد يكون مرة هاتفاً نقالاً أو حاسوباً، وهذا ما يحصل اليوم مع التطور التقني لذلك أصبح الهاتف النقال هو الوسيط الالكتروني، وماعدا ذلك أي الجريمة التي تحصل على أرض الواقع، وبعيداً عن الوسائط الالكترونية فهي تعد تقليدية.
شروط قانونيَّة
بحسرة وألم واضحين على الوجه، يتذكر الحاج عادل كاظم اليوم الذي تعرض فيه إلى عملية نصب واحتيال تم سحب على أثرها كل ما تبقى من راتبه التقاعدي في بطاقته الالكترونية، ويقول الحاج عادل: "عندما كنت أتصفح هاتفي في أحد الأيام، دخلت على تطبيقات الكترونية مجهولة المصدر ولا أعلم كيف وصل الأمر إلى تعرف المبتزين على رقم بطاقتي، وسحب رصيدي الموجود فيها".
ويعترف الحاج عادل بأن جهله بالتطبيقات الالكترونية، أدى إلى وقوعه ضحية لعملية النصب هذه.
ترى الناشطة والأكاديمية الدكتورة بشرى العبيدي، أن غياب قانون خاص بجرائم المعلوماتية يتيح المجال للمبتزين الالكترونيين بارتكاب الجرائم التي تحلو لهم، لأنه وبسبب التطور التكنولوجي وتغيرات المجتمع، فإن العديد من الجرائم التي ارتكبت تحت مسمى المعلوماتية لم يعاقب الجناة بالعقوبة الرادعة التي يستحقونها، بل ومن المثير للجدل أن هناك العديد ممن ارتكبوا جرائم من هذا النوع لم يجر تجريمهم أو عقابهم، بسبب
غياب التشريعات المناسبة لهكذا جرائم.
الدعاية السيئة
يتعرض الكثير منا بشكل يومي إلى فيديوات متنوعة، منها ذو محتويات هابطة أو مسيئة وربما تحريضية في كثير من الأحيان، ولهذا تدعو الباحثة في مجال الإعلام والناشطة والأكاديمية الدكتورة سهاد القيسي إلى ضرورة سن قوانين وتشريعات، تحمي المواطن من الدعاية السيئة التي تبث عبر شبكة الانترنت فهي ترى أن لتلك المواقع إسهاماً كبيراً في التدني الأخلاقي، وانتشار الجرائم الالكترونية، وفي الوقت ذاته لا بد من حماية المواطن مما يعرف بالميديا الاجتماعية التي أصبحت بالفعل بمثابة إساءة حقيقية للمجتمع، ومحرض لارتكاب الجرائم المتعددة.
لافتة إلى وجود قوانين تحمي المواطن في دول العالم المتقدمة، وهي بمثابة حماية وحصانة للفرد كي لايقع ضحية لهذا النوع من الدعايات، التي تؤثر عليه وعلى أفراد أسرته بشكل واضح.
محاولات ناجحة
في العام 2014 واجه القضاء العراقي قضية سب وقذف الكتروني عبر الفيس بوك، ولغياب التشريعات الخاصة بالوقائع الالكترونية آنذاك تم الحكم بها وفقاً للنصوص القانونية التقليدية الخاصة بقضايا السب والقذف الاعتيادية. الأمر الذي يجده عميد كلية القانون الدكتور عمار عباس الحسيني، محاولة ناجحة وموفقة للتعامل مع هكذا قضايا تمس المجتمع.
منوهاً بأن غياب التشريعات والنصوص الخاصة بالواقع الالكتروني، وعملاً بمبدأ القانون لا يعتد بالوسيلة اتجه القضاء العراقي، بشكل موفق إلى تغطية الوقائع والجرائم الالكترونية بالنصوص التقليدية، وتوظيف القواعد العامة لقانون العقوبات مثلا مفردة الابتزاز غير موجودة في نصوص القضاء العراقي، ولكن يقابلها التهديد والأمر ينطبق على التشهير، إذ تستخدم نصوص القذف والسب، وتعد محاولة ناجحة لمعاقبة المجرمين ومحاسبتهم على الجرائم المرتكبة.
تتاح للكثيرين حرية تناقل المعلومات والنشر الالكتروني، لأن ذلك الفضاء يكاد يخلو من الضوابط وتجد الأكاديمية والناشطة الدكتورة بشرى العبيدي، أن هناك مواقع على شبكات التواصل الاجتماعي، يجب التعامل معها بحزم وفلترتها وحظرها أيضاً، لأنها أصبحت تسبب مشكلات حقيقية في المجتمع، فهي أثرت في الذوق العام، وتصفها العبيدي بالإرهاب، ولكن من نوع آخر، إذ تسببت بظهور حالة تدنٍ أخلاقي وغزو إرهابي للمعلومات، وعلى الرغم من أن المواثيق والنصوص الدولية تمنح الفرد حق التعبير عن الذات، لكنها في الوقت نفسه، تشترط عدم تقاطع هذه الحريات ومساسها بالنظام العام والآداب، مع ضرورة وجود ثوابت ومعايير مجتمعية محددة يمنع المساس بها.
ظاهرة عالميَّة
كتب المتخصص في السياسة السيبرانية الدكتور خالد وليد محمود أنه كلما ازداد استخدام الإنترنت في الحياة الشخصية أو المهنية ازدادت مخاطر الوقوع، كضحايا لجرائم الإنترنت.
مبيناً أن الدول والمجتمعات والأفراد تعاني اليوم من انتهاك صارخ لحقوقهم وخصوصياتهم الإلكترونية، وذلك في ظل الانتشار المتسارع والجنوني لهذا النوع من الجريمة، التي ازدادت بالتزامن مع التطورات الحاصلة على التقنيات والتكنولوجيا الرقمية وأدوات الفضاء السيبراني، إذ يسرت وسهلت سبل التواصل وانتقال المعلومات بين مختلف الشعوب والحضارات، في مجال مفتوح تجري فيه كل حركة المعاملات عبر سبل الاتصالات المتنوعة.
وأضحى الفضاء السيبراني بيئة المجتمع الحديث ينتج مثلما في الواقع المادي أنواعاً جديدة من الجرائم تسمى الجرائم الإلكترونية مثل القرصنة والاحتيال والتخريب، والتعامل في معلومات العدالة والأمن والنظم المصرفية والدخول إلى أنظمة الحاسوب، وقواعد المعلومات وسرقتها والعبث بها وليس انتهاءً بانتهاك حقوق التأليف، والتجارة غير القانونية (كتجارة المخدرات) والتعرض لخصوصية الآخرين عندما يتم استخدام معلومات سرية بشكل غير قانوني. ولا تقتصر الجرائم الإلكترونية على أفراد أو مجموعات، وإنما قد تمتد إلى مستوى الدول لتشمل التجسس الإلكتروني.
غياب التشريعات
حاول العراق في العام 2008 أن يشرع قانوناً خاصاً بجرائم المعلوماتية، ولكن تم رفضه
بشكل قاطع آنذاك، ثم توالت المحاولات ولكن دون جدوى،
إذ تم رفض التشريعات القانونية الخاصة بجرائم المعلوماتية لعدة أسباب.
ويلفت عميد كلية القانون الدكتور عمار عباس الحسيني، إلى أن أغلب دول الجوار لديها قانون خاص بالوقائع الالكترونية، ولهذا من المفترض أن يحذو العراق حذوها فعلى الرغم من أن النسخة المقدمة في الفترة المنصرمة لم تكن ملائمة و لكن لم يكن من الصحيح رفضها بالكامل، ومن أوائل الدول التي أقرت قانوناً خاصاً بجرائم المعلوماتية هي السودان، إذ شرعت قانوناً خاصاً بالجرائم الالكترونية منذ عام 2007، ثم الإمارات العربية المتحدة التي غيرته خلال هذه الفترة 3 مرات، وتجدر الإشارة إلى أن مصر ولبنان شرعتا قوانين لمكافحة الجرائم الالكترونية مؤخراً، ولأن الوقائع الالكترونية متغيرة التطبيقات ومستحدثة وبعض العقوبات لم تعد رادعة، لهذا تحاول أن تتماشى أغلب الدول مع التطور التقني والرقمي، وملاحقة الجريمة الالكترونية بشكل مستحدث وبما يغطي التطور التقني الحاصل في هذا الفضاء الالكتروني.