خطاب الاختلاف ما بين النسويَّة والنساء

ثقافة 2024/08/07
...

 عبد الغفار العطوي

هذا العنوان (النساء والسلطة) يمثل نمطاً من العلاقة ما بين (الخطاب والسلطة) وهو عنوان لكتاب توين فان دايك، أوجد فيه صلة بين تحليل الخطاب ومفهوم (السلطة) من زاوية الإنتاج الخطابي لسلطة النخبة، من خلال تركيزه على سوء توظيفها المتمثلة بمفهوم الهيمنة، بمعنى أدق توجيه النقد نحو الاستخدامات غير المشروعة لسلطة النخبة، مما يؤدي إلى وقوع الظلم، وعدم المساواة الاجتماعية، ولعل الموضوعات التي يعالجها تحليل الخطاب المتعلقة بالقضايا الاجتماعية التي تمارسها سلطة النخبة، على الأقليات العرقية والأثنية كالنساء تتمثل بالعنصرية والتلاعب السياسي والهيمنة، وسبل السيطرة على الخطاب، باعتبار قيام سلطة النخبة هنا باستعمال مفهوم الخطاب على أنه قوة حجاجية له علاقة بثورة اللغة التي ظهرت في ستينيات القرن العشرين، ونجمت عنها تحولات جذرية في علوم اللغة التي تمخضت على إثرها عن علوم جديدة كالتداولية وتحليل الخطاب، ومن نتائج تلك الثورة أن فسحت المجال أمام المزيد من الحقول التي تقوم بتدريس ظواهر مشتركة من معارف متنوعة، كلها مرتبطة بأقسام اللغة، واهتمت بتحليل الخطاب في تلك العلوم مثل علم اللغة السياسي، ولعل سلطة النخبة أدركت أهمية الخطاب في تضييق الخناق على الأقلية، فأبرزت الممارسات السيئة في تلك السلطة من أجل السيطرة وفرض الهيمنة والتلاعب السياسي بهذه الأقلية، وكانت اللغة من أهم السمات المركزية التي رسمت هيمنة النخبة على النساء باعتبارها أقلية مقهورة ومبعثرة، حينما وصفت النساء بأنهن ثرثارات، وأنَّ هذه الثرثرة لها سمة عنصرية، فقد أوضحت فيرينا آبيشير في كتابها (النساء واللغة) أهمية تلك السمة، وعزت لتلك السمة العنصرية صفة فارقة للثرثرة إلى جملة الاختلافات والتشابهات بين العالم الذكوري والعالم الأنثوي، وكان المستفيد من دمغة (الثرثرة) في الإشارة إلى الطبيعة في تمييز العنصرين البيولوجي والاجتماعي، وأطلقت فيرينا آبيشير عليه (فرط التصويب الحذلقة) لتصبح النساء لقمة سائغة بين فكي الدولة العميقة (التي تعتبر شكلاً من أشكال اللوبي الذكوري) والحركة النسوية التي أظهرت العداء الخفي، باعتبارها نخبة نسائية أولاً، ومن ثم نسوية ثانياً (نسوية %99 مانيفستو الحركة الاجتماعية الجديدة نانسي فريزر تشينزيا اروتزا تثي باتاتشاريا) للنساء حينما لوحت تلك النسوية نحو خطورة تصريح شيريل ساندبرج مديرة العمليات في فيسبوك في ربيع عام 2018: إننا سنكون في حال أفضل كثيراً إذا أدير نصف دول وشركات العالم من قبل النساء، كانت صدمة فادحة النسوية التي اعتبرت نفسها السلطة الشرعية للنساء، مثلما وقعت كالصاعقة على اللوبيات الذكورية في النظم السياسية في أنحاء العالم التي لم تقدر الأمر بسهولة، فالنسوية كانت تكافح من أجل بناء رؤية في توصيف (الاختلاف الجنسي والسلطة سهاد حميد ذياب) على أنه إبراز جنسانية مثلية تعمل في تحقيق الحريات السياسية بمفردها للنساء جميعاً (بما فيه النساء المبعثرات دون النظر في أنَّ ما تقوم به هو مجرد الهيمنة التي تؤدي نحو عدم المساواة) بينما وجدت جوديت بتلر في (قلق الجندر النسوية وتخريب الهوية) أنَّ أخطر ما تنجزه النسوية هو إنكار على النساء صفة (الجندرة) والرغبة التي تقود إلى التقابل بين جنسانية غيرية مع المركزية القضيبية في حلبة الصراع، لأنَّ النسوية قد تحالفت مع بعض (اللوبيات) الذكورية في تنسيقيات الأهداف والغايات، فقد قامت النسوية الغربية باضطهاد النساء السوداوات والملونات في ما عرف بـ(بيان النساء السوداوات) في (مقالات في النسوية) في عنوان لافت- شقاء مزدوج في أن تكوني سوداء وأنثى- فرنسيس م بيل ص 185 من حيث استغلت الأوروبيات النسويات في (صراع الفتيات) موضوعة التفرقة العنصرية كي تضغط باعتبارها نخبة حضارية واعية من أجل الهيمنة، وكانت بتلر ومونيك هينيغ وغيرهما من الكاتبات الأميركيات يأملن ألّا تعمل النسوية في تخريب الهوية تحت ذرائع العرقية والطبقية والأثنية، سواء أكانت بالتلاعب السياسي مع اللوبيات الغربية أم بفرض الهيمنة بالسيطرة على سبل الخطاب وتشويه الحقائق المتبعة في برتوكولات عمل الخطاب، وقد تطرقت جوديت بتلر في الفصل الأول من كتابها المشار إليه سابقاً (النساء بوصفهن الذات التي تدور حولها النسوية ص 67) افترضت النسوية، في القسم الأكبر منها، أنَّ ثمة هوية موجودة، يتم فهمها عبر مقولة النساء، التي شأنها ليس فقط أن تدخل المصالح والأهداف النسوية في حيز الخطاب، بل أن تشكل الذات التي من أجلها يتم السعي نحو التمثيل السياسي لهذا هي فضلت أن تقف إلى جانب (الجندر) كمصطلح يضفي على النساء مصداقية معيارية، لو أحبت الانخراط في اللعبة السياسية، لأنَّ ثمة علاقة بين (الجندر والعنف) تمارسه النسوية في واضحة النهار، وعلى الأشهاد، وأمام الملأ، في (علم النفس الاجتماعي للجندر لوري رودمان بيتر جليك ف11 الجندر والعنف ص 419) مشاهد للعنف الذي يقع على الجندر من قبل النسوية، وينسب للناس العاديين، من جرائم القتل التي يرتكبها الرجال مقابل النساء في الولايات المتحدة مثلاً، ترى التوجه بالنسوية نحو رفع إصبع الاتهام للنساء، ليشكل العداء بالنسبة للنساء العبء الأكبر الذي تتحمله، من جانبها تسهم الدول العميقة في أزمة العنصرية ضد النساء، في البلدان القلقة (في العالم الثالث) التي تتركز فيها بؤر الإرهاب (الدول الإسلامية الآن) ففي تحولات الخطاب الديني السلفي (الحركات الجهادية) أنَّ النساء يتعرضن لكثير من المشكلات، إما في الانضمام إلى صفوف الجهاد، وإما أن يقعن في أسر تلك الحركات، ويواجهن ألوان العنف كالاغتصاب أو القتل، في (النساء والإرهاب دراسة جندرية د- امال قرامي منية العرفاوي) ما يدفعنا للوقوف إلى جانب (النساء) بما يلاقينه من الإرهاق والعسف من ظلم تلك الحركات التي دون شك تدعمها وتمولها اللوبيات العالمية، لنشر الفوضى في أرجاء الدول الفقيرة، بل هناك شيوع مهن للنساء في عالمنا اليوم توجهها وتخطط لها اللوبيات، تحت عناوين تسيء لسمعة النساء، بما يعرف بثقافة وهيمنة (البلوغرات) وهن يعملن في إشراف ورعاية الدول العميقة في أعمال غير مقبولة، في الدعارة السياسية التي تكون تحت نظر السلطات، وفي تذليل الصعاب في غسيل الأموال وتهريب المخدرات، وإشاعة عمليات النهب للمال العام في البلدان، وبالعودة نحو التساؤل عما تشكله النساء من موقف في تأثيرها السياسي تقول بتلر ليست المهمة السياسية هي رفض السياسة التمثيلية، كما لو أننا نستطيع ذلك، إنَّ البنى القانونية للغة والسياسة تشكل الحقل المعاصر للسلطة، وبالتالي، فإنه لا وجود لموقع خارج هذا الحقل، فعلى النساء إذا ما أردن التخلص من عنصرية الدمغة التي وضعتها سلطة النخبة عائقاً في مسيرة النساء من كونهن ثرثارات، لا يصلحن سوى للخدمة السلطوية، هو رفض خطاب تلك السلطة، والإتيان بخطاب الاختلاف باعتباره نقطة التحول في فهم الذات عند النساء، فإنَّ مسألة الذات حاسمة بالنسبة إلى السياسة، وبالنسبة إلى السياسة النسوية على الخصوص.