«السيدة الملونة».. بطلة المسافات الطويلة

علوم وتكنلوجيا 2024/08/07
...

 بقلم: مونيك بروليت
 ترجمة: كريمة عبد النبي

تمكن العلماء من التوصل الى أول دليلٍ على عبور «السيدات الملونة» للمحيط، ففي الصباح الباكر لأحد أيام العام 2013 شاهد عالمُ الأحياء التطوري الدكتور جيرارد تالافيرا، قطيعاً من الفراشات الملونة وقد تقطعت بها السبل على ساحل غويانا الفرنسيَّة، وهي من أقاليم ما وراء البحار الفرنسيَّة التي تقع على الساحل الشمالي لأميركا الجنوبيَّة وواحدة من أقاليم فرنسا المئة.
تمثلُ هذه المجموعة من الفراشات أحد الأنواع المنتشرة على نطاقٍ واسعٍ، لكنها لا تتواجد في أميركا الجنوبيَّة. ورغم ذلك كان هذا النوع من الفراشات متواجداً على رمال الساحل الشرقي من هذه القارة.ولاحظ تالافيرا، أستاذ عِلم الأحياء في معهد برشلونه في أسبانيا، أنَّ أجنحة هذه الفراشات كانت ممزقة ومليئة بالثقوب ليستدلّ على أنها حطت على الساحل المذكور لغرض التعافي من رحلة طويلة.هذا النوع من الفراشات، المعروف بـ «سيدة الفراشات الملونة»، يعدُّ أحد أبطال رحلات المسافات الطويلة التي تبدأ من أوروبا الى جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، قاطعة بذلك مسافة تصل الى أكثر من تسعة آلاف ميل.وقد أراد تالافيرا معرفة ما إذا كان هذا النوع من الفراشات تمكن من القيام برحلة عبور المحيط الأطلسي البالغة حوالي ألفين وستمئة ميل. ونظراً لأنَّ متابعة تلك الرحلة الطويلة يشكلُ نوعاً من التحدي، إذ إنَّ استخدام وسائل مثل أجهزة تتبع راداري تسمح بمراقبة أماكن محددة ولا يمكن الاعتماد عليها بشكلٍ دائمٍ. لذلك، وفي العام 2018، تمكن الدكتور تالافيرا من تطوير طريقة جديدة لمتابعة هذه الفراشات عن طريق استخدام تسلسل جينوم الفراشات وتحليل الحمض النووي لحبوب اللقاح الموجودة على أجسام الفراشات من خلال توقفها في رحلتها على بعض أنواع النباتات الموجودة فقط في أفريقيا الوسطى.ولغرض دراسة تسلسل الحمض النووي لحبوب اللقاح، استخدم تالافيرا طريقة تسمى «تشفير الحمض النووي» للتعرف على نوع النبات الذي توقفت عليه تلك الفراشات وبالتالي يمكن، من خلال الحمض النووي التعرف على المنطقة الجغرافية لهذا النبات والطريق الذي سلكته هذه الفراشات في رحلتها.وفي دراسة نشرتها مجلة ««Nature Communications وصف تالافيرا وفريقه، الدليلَ القاطعَ على فك الغموض الذي أحاط بالفراشات التي تقطعت بها السبل بالقول “إنَّ حبوب اللقاح الملتصقة بالفراشات في غويانا الفرنسيَّة مطابقة للنباتات الموجودة في بلدان غرب أفريقيا”. وبحسب الدراسة فإنَّ هذه النباتات تتفتحُ من بداية شهر آب وحتى تشرين الثاني، وهي فترة تتطابقُ مع توقيت وصول الفراشات الملونة، ما يعني أنَّ هذا النوع من الفراشات قد جاء عبر المحيط الأطلسي.لكنَّ هذه المعلومات كانت تبعثُ على الحيرة، لذلك فإنَّ تالافيرا وفريقه كانوا حذرين بعدم القفز على تلك المعلومات وتقديم قراءة نهائيَّة لرحلة هذه الفراشات.
فضلاً عن دراسة حبوب اللقاح، قام الباحثون بدراسة تسلسل جينوم الفراشات لتتبع نسبها، إذ توصلوا الى أنَّ جذروها تعودُ الى أصولٍ أوروبيَّة - أفريقيَّة. وهذا يشير الى احتمالية طيرانها فوق اليابسة من شمال أمريكا.
بعد ذلك استخدم الباحثون أداة لتتبع الحشرات تسمى “تتبع النظائر” لأجل التأكد من أنَّ أصل ولادة هذه الفراشات هو أوروبا الغربيَّة، وشمال وغرب أفريقيا. ومن خلال دراسة البيانات الخاصة بالطقس التي أظهرت هبوب الرياح من أفريقيا الى أميركا، تمكن الباحثون من التوصل الى اكتشافٍ جديرٍ بالاهتمام.
عن صحيفة نيويورك تايمز