حياة النساء في العراق
شميران اوديشو
يتضمن كتاب "نساء عراقيات، وجهة نظر اجتماعية" للدكتورة لاهاي عبد الحسين العديد من الدراسات والانجازات المهمة في مجال علم اجتماع المرأة، إذ لم يعد كافيا
الحديث عن مشكلات النساء كحزمة واحدة، فقد صار واضحا أن هناك الكثير من الزوايا التي يمكن أن ترصد عبرها قضايا النساء المتعددة كشرائح مستقلة تضم الحضريات والريفيات، المتعلمات وغير المتعلمات، الناشطات وغيرهن.
كما وتناولت أثر التنمية بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية للنساء الذي يكاد يكون من أقدم الموضوعات التي زخر بها علم الاجتماع، وخاصة البلدان الصناعية المتقدمة التي سعت إلى كشف الأنماط السلوكية والاجتماعية الناجمة عن التنمية. وعندما ساد الاعتقاد بانتشار تأثيرات التنمية في بلدان أخرى، كالبلدان النامية ظهرت الحاجة إلى البحث في النتائج المتعددة للظاهرة، مثلا البحث في أثر التنمية على مشاركة النساء في الحياة العامة، وبالذات في مجالات التعليم الرسمي، والعمل خارج المنزل لقاء أجر، والتخصص المهني، وغيره.
ولعل إحدى السمات الرئيسة التي ميزت عدد كبير من الاجتماعيين الأوائل الذين درسوا أثر التنمية على أوضاع النساء في البلدان الصناعية المتقدمة إنهم اشتركوا في الاطراء على الجوانب الايجابية فيها، فكان أن خلصوا إلى الاعتقاد بأن التنمية في المجتمع أدت إلى تطوير أوضاع النساء بطريقة لم يشهد تاريخ البشرية لها مثيلا من قبل.
كما وتناول الكتاب المجتمع الزراعي وانخفاض مكانة المرأة وكيف ينعكس من واقع اعتمادها الكبير على المكانة الاجتماعية للرجل، وسبب محدودية قدرتها على منافسة الرجل أو على الاستثمار المباشر للأرض.
وتصل الكاتبة في دراستها للموضوع إلى أن واحدة من أهم الخلاصات الفكرية هي أن تجربة النساء في البلدان النامية لا تشبه بالضرورة تجربة النساء في البلدان الصناعية المتقدمة، ويصدق هذا بصورة خاصة على الاعتقاد الذي شاع في أوساط المتخصصين والمهتمين بشؤون النساء في البلدان الصناعية المتقدمة من أن للتنمية آثارا ايجابية ترتبط بتمكين النساء من تحقيق المزيد من التحرر والتقدم على طريق تأكيد الحضور الذاتي والاجتماعي والثقافي في المجتمع. وقد ساهمت التنمية في البلدان النامية بإحداث تحولات بنائية تركت آثارا تختلف عن تلك التي أحدثتها التنمية في البلدان الصناعية المتقدمة، فقد ارتبطت التنمية في البلدان النامية بانتشار ظواهر احتدام الصراع وانعدام الاستقرار والمقاومة والتغيير.
والعديد من معوقات التنمية ارتبط بالطبيعة المتشددة للنظام القيمي والتيارات الدينية ذات التوجهات الايديولوجية الجامدة أو الموروث الثقافي للسكان أو بسبب التعصب الاجتماعي والثقافي المستمد من الثقافات الفرعية لبعض الجماعات ذات الهوية العرقية أو العنصرية أو الطائفية.
وتوصلت الدراسات الاجتماعية المتخصصة في مجال التنمية والنساء إلى أربعة أنماط عامة لعمل النساء في ضوء النتائج الاحصائية التي تم الحصول عليها من هذه الدراسات، نمط البلدان الصناعية المتقدمة وامريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، ونمط البلدان الإسلامية من عربية وغير عربية.
وبالنسبة لتحديد مفهوم النوع الاجتماعي بين الرؤية الدولية والعربية يعني التعرف على جنس الإنسان من مواقف اجتماعية وسلوكية وثقافية تنطوي على قدر من التمايز والمفاضلة والتفريق، وهذا المفهوم ظهر في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي محاولة لتطوير تصور أكثر دقة لتأشير الخلافات والمشكلات ذات الطبيعة الاجتماعية والسياسية والثقافية بين الرجال والنساء.
وقد ساهم المفهوم بتطوير المعارف الإنسانية والاجتماعية في دراسات وبحوث تناولت اوجها متعددة لقضية ذات خاصية معقدة ومتشابكة بطبيعتها. وللموضوع عدد من الاعتبارات من النواحي الاجتماعية والعلمية والسياسية والعولمية، ورؤية تستند إلى بديهيات نظرية فكرية تحدد المسارات العامة الاساسية لسلوك الفرد أو الجماعة بدرجة كبيرة، ومنها الرؤية الدولية التي تشمل الاتجاه النسوي الليبرالي التحرري، والاتجاه الماركسي التقليدي، والاتجاه النسوي الاشتراكي، والاتجاه النسوي الراديكالي، والاتجاه النسوي الثقافي الحديث. والرؤية العربية التي برغم المحاولات المخلصة لعشرات من الناشطات والناشطين النسويين في البلدان العربية ممن اظهروا التزاما عاليا بقضايا المرأة العربية وهمومها، فأنه من المؤسف القول إن جهود هؤلاء الافراد منيت بالفشل. والصوت العربي يضيع في المؤتمرات الدولية المعنية.
وتضمنت الدراسة اشكالية الدور الاجتماعي للمنظمات النسائية العربية، ومفهوم العضوية في المنظمات النسائية، وأشارت إلى عدد من القضايا التفصيلية التي هي مسؤولة عن رتابة التطوير النوعي للعضوية في المنظمات النسائية العربية الهادف إلى استقطاب شرائح معينة ومهمة ممثلة عن نساء أي مجتمع على وجه التعيين، وإلى الموقف الفكري لبعض المنظمات ومحاولات اخلال التوازن بين مفهومي الوطنية والقومية من جهة، وقضية المرأة من جهة أخرى، وقضية مدى استعداد النساء للانضمام لعضوية العديد من المنظمات النسائية بضعف أو غياب الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية، وما يرتبط بذلك من أنواع الصراعات والحروب التي جلبت الويلات والخسائر المادية والبشرية الكبيرة، وكان نصيب المرأة عظيما ووجدت النساء أنفسهن مجبرات اجتماعيا أو رسميا وحتى قانونيا لترك العمل.
أحد الظواهر المرضية التي لحقت بالمنظمات النسائية العربية وأصابتها بالشلل على الصعيد الداخلي، ما يمكن أن نسميه بالتقوقع البيروقراطي والاعتماد على شبكة من الخبراء الذكور بنسب تصاعدية، ولكن من المناسب القول إن القيام بأي جهد باتجاه معالجة المشكلات والقضايا المشار اليها، إنما هو ضروري وحاسم حتى لو تضمن ذلك مجرد دعوة للقاء والحوار وتبادل الأفكار ومحاولة تطوير طرق وأساليب تهدف إلى تنمية ما يمكن تنميته. وتؤكد الكاتبة عدم وجود دراسات اجتماعية مركزة ومتخصصة تتعلق بالمرأة في العراق، وفي الاطار النظري تقدم توضيح لعدد من المفاهيم والمناهج ونتائج لدراسة استخدم فيها عددا من طرق القياس الاحصائي، مثل معدل الاناث إلى الذكور، كما استخدمت طريقة انعدام التشابه للعزل الجنسي حيثما أمكن ذلك إلى جانب النسب المئوية.
وقدمت في دراستها الميدانية استقراء آراء وتقييمات اعضاء هيئة التدريس في كلية التمريض التابعة لجامعة بغداد حول عدد من التحديات الرئيسة التي يعتقد أن لها دورا مهما في تطوير مستوى الاداء النوعي لهذه الكلية المهمة في العراق، ومشكلة الأرامل في العراق تطرقت اليها بإلقاء الضوء على الجهود المبذولة والآفاق المطلوبة لوضع الأرامل التي بدأت مشكلتهم عشية انتهاء الحرب العراقية الايرانية، حيث بلغ عدد الارامل (400) ألف امرأة حسب الاحصاءات الرسمية الحكومية آنذاك واليوم حسب احصاءات وزارة التخطيط بلغ عدد النساء الأرامل في العراق مليونا ونصف المليون امرأة يقمن بإعالة ما يقدر بخمسة ملايين شخص. وتشير إلى الاستراتيجية الوطنية للتخفيف عن الفقر في العراق التي تستهدف تقليل التفاوت بين الرجال والنساء سواء في مصلحة المرأة أم في مصلحة الرجل، وبذلك تساوي بين الضحية والسجان والملاحظ أيضا إنها اظهرت اهمالا واضحا بل وتحيزا منظورا لمصلحة الرجل ضد المرأة وأهدافها المعلنة لم تذكر المرأة صراحة الا في الهدف السادس والاخير الذي نص على الدعوة إلى تفاوت اقل بين النساء والرجال الفقراء. وتشير إلى عدد من الدوائر والمؤسسات التي تهتم بالأرامل وبطرق متفاوتة منها دائرة رعاية المرأة، ومركز تدريب وتطوير الأرامل، ومنظمة نسائم الخير الإنسانية لرعاية الأرامل والايتام، وجمعية الامل العراقية، وجمعية عمر المختار ومؤسسة الشهيدة العلوية بنت الهدى "آمنة الصدر" ورابطة المرأة العراقية.
أما عن الحراك النسوي الاحتجاجي في العراق كدراسة اجتماعية ميدانية، منهجيا تنطلق من فكرة فالح عبد الجبار في أن الظواهر في تحول مستمر، وأن هذا التحول ارتقائي ويقوم على التعمق المستمر في ملاحقتها ووصفها وتثبيت خصائصها لتكون فيما بعد قاعدة لانطلاقة جديدة. تقنيا اعتمدت الدراسة طريقة الملاحظة بالمشاركة والمقابلات النوعية لشخصيات مؤثرة وبخاصة لأولئك اللواتي يتوسمن مسؤوليات متقدمة على مستوى المنظمات التي يعملن بها.
وتؤكد أن النساء العراقيات ساهمن منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى اليوم بصنع التاريخ السياسي للمجتمع العراقي وشاركت المرأة في نضالات عديدة من أجل قضايا وطنية ومجتمعية مهمة بضمنها النضال للارتقاء بالقضايا النسويّة العادلة تحقيقا لأهداف نهضوية وتنموية تسعى إلى انصاف حقوقهن. واليوم تظهر ملامح حراك نسوي يتسم بدرجة من درجات الاستقلالية تساهم فيه نساء ناشطات بتوجهات يمكن أن توصف على وجه العموم بأنها يسارية وتقدمية ومنظمات ذات توجهات دينية وطائفية، ولا يكاد يسمع لها صوت بسبب انغلاقها عن دائرة الضوء المجتمعي التي يمكن من الكشف عنها والتعرف على فعالياتها.
وتهتم الدراسة بالنظر في طبيعة الحراك النسوي الاحتجاجي القائم اليوم في العراق واحتمالات تطور حراك نسوي مستقل يهتم بقضايا النساء العراقيات . كما تناولت عينة مختارة من المنظمات النسوية الأكثر حضورا والتي تحظى بالاهتمام ومنها "شبكة النساء العراقيات ومنظمة الأمل العراقية، وجمعية نساء بغداد، ومنظمة المرأة والمستقبل العراقية، ومنظمة نساء من أجل السلام، وتحالف 1325، ومنظمة تموز للتنمية الاجتماعية، ورابطة المرأة العراقية، ومنظمة حرية المرأة".
وتوصلت الدراسة الاستقصائية إلى أن انقلابا حدث فعلا إن لم نقل زلزالا هز طبيعة العمل النسوي في العراق، واللافت أن المنظمات بعد 2003 لم تعد تعتمد في تمويل نشاطاتها على الدولة. وتنفذ نشاطات منسجمة مع مبادرات المنظمات الدولية لحماية المرأة وتغيير القوانين المجحفة بحقها، ومنها مشروعات قوانين تسمح بتزويج القاصرات وتعدد الزوجات وتطارد مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة وفي مقدمتها الاغتصاب. ودراسة اخيرة تضمنها الكتاب عن العنف القائم على اساس الجنس ضد النساء، وهي دراسة اجتماعية لعينة مختارة من الناجيات من أعمال العنف في العراق.