مبادرة التشجير المليونيَّة.. عندما يكون النبات مُنقذاً
فجر محمد
تصوير: خضير العتابي
أشجار كثيفة معمرة مرت على وجودها أعوام طويلة، كانت تتزاحم وتتداخل في مدخل أحد أحياء العاصمة بغداد لتلون المكان بالأخضر الزاهي، غالباً ما يمنح وجود هذه اللوحة من المناظر الطبيعية سكان المنطقة الأمل والفرح ويحثهم دوماً على التشجير، وزراعة النباتات، خصوصاً تلك التي تقاوم ظروف البيئة القاسية.
في مدخل المنطقة السكنية وعلى بعد أمتار يتلون بيت الحاج أبو قاسم بالألوان المبهجة للورود والنباتات، فهو يعتبر تلك الأشجار حجر أساس و بمثابة هوية لمنطقته التي يسكن فيها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، يستيقظ أبو قاسم مع نسمات الصباح الأولى وخيوط الفجر التي تشق عمق السماء لتعلن عن ولادة يوم جديد، وينهض ليسقي النباتات دون كلل أو ملل. يمسك أبو قاسم بخرطوم المياه، ويسقي نباتاته بكل عناية واهتمام وفقاً لجداول زمنية محددة وضعها هو من خلال خبرته ومعرفته بالنباتات، ويشعر أبو قاسم بالفرح والبهجة لقربه من تلك الأشجار.
مؤخراً وضمن دعم القطاع البيئي، وجه رئيس مجلس الوزراء بإطلاق حملة تشجير مليونية كبرى في الشوارع والساحات والطرق الخارجية في المحافظات، على أن تتولى وزارة الإعمار والإسكان والبلديات التنسيق مع تلك المحافظات، لتشجير الطرق الخارجية وتوفير متطلبات الحفاظ عليها وديمومتها، بينما تتولى المحافظات التنسيق مع وزارتي الزراعة والإعمار والإسكان والبلديات، بإطلاق حملة تشجير في جميع المناطق العامة والشوارع والساحات وفقاً لخطط وبرامج مدروسة، ومتابعة تنفيذها وتقديم تقارير مستمرة عنها.
كما جرى توجيه وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، وبالتنسيق مع وزارة الزراعة، بإدراج موضوعات التوعية بأهمية التشجير والحفاظ على البيئة ضمن المناهج الدراسية، وتتولى شبكة الإعلام العراقي إطلاق حملة إعلامية لتوعية المواطنين بأهمية التشجير والحفاظ على البيئة.
برنامج العمل
أشار المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي إلى أن المبادرة المليونية التي تخص التشجير والتي انطلقت مؤخراً، تجاوزت ما كان مقرراً، إذ وصل عدد الأشجار إلى أكثر من 6ملايين ومن مختلف الأصناف، منها الزيتون والحمضيات والنخيل والأشجار الظلية، إذ جرت زراعة مجموعة من الشتلات استجابة لتلك المبادرة المهمة التي أطلقت من قبل رئيس الوزراء.
وفي وقت سابق أشارت أمانة بغداد وفي تصريح لوكالة (واع)، إلى أن من ضمن خططها الحالية إعداد رؤية متطورة حديثة لأهم الشوارع الرئيسة للعاصمة استناداً لتوجيه رئيس الوزراء، مع انطلاق حملة كبرى لزيادة المساحات الخضراء. مبينة أن تحويل جميع المناطق البيضاء وغير المستخدمة إلى خضراء من ضمن خطط الأمانة، وبالفعل بدأ العمل بأكثر من 24 حديقة. ويلفت الخبير والناشط البيئي أحمد صالح إلى أن أهمية التشجير تكمن في ما توفره من ظل وتماسك للتربة ولكنها لن تنجح بشكل فعلي ما لم تتضافر الجهود، وتتوسع المبادرة على نطاق جميع المناطق والمحافظات من أجل تقليل العواصف الغبارية التي تهب بين الحين والآخر، ومن أهم المناطق التي يجب أن تزرع وبشكل مستمر هي المحافظات الحدودية كي تكون بمثابة مصدات، وأيضاً ملطفات للجو.
مكافحة التصحر
يرى الخبير البيئي سمير عبود أن للتشجير فوائد عديدة منها المساهمة بتغيير المناخ، والتقليل من ارتفاع درجات الحرارة التي تتسبب بمشكلات متعددة، كما تعرضت البلاد إلى عملية جرف للمناطق الخضراء ما أدى إلى زيادة التصحر، في الوقت الذي تحولت فيه المدن إلى غابات من الإسمنت والإسفلت والطابوق واختفت المساحات الخضراء الواسعة التي كانت تنعم بها البلاد، لهذا لا بد اليوم من تشجيع وإرساء الثقافة والوعي البيئي، لأن هناك حاجة ماسة لعودة الغطاء النباتي وذلك لتقليل العواصف الغبارية التي تهب على البلاد بين الحين والآخر.
ومن وجهة نظر الخبير البيئي فإن غياب الحزام الأخضر وانتشار الأنشطة الصناعية حول المدن، أدى إلى انخفاض واضح في جودة البيئة بعموم البلاد، يضاف إلى ذلك الافتقار إلى سياسة تخطيط ستراتيجي تراعي الشروط والعوامل البيئية الواجب توفرها كي تصبح الأجواء ملائمة للجميع.
ويدعو عبود الجهات ذات العلاقة، إلى محاسبة المتجاوزين على البيئة، خصوصاً أولئك الذين يقطعون الأشجار وأن تشجع عملية التشجير، حتى على أرصفة الشارع وأمام المحال التجارية.
ويعتقد الخبير البيئي أن الخطوة الأولى في إرساء ثقافة التشجير، يجب أن تبدأ من مؤسسات الدولة، لأن هذه الخطوات من شأنها أن تقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
ومن الإجراءات الأخرى التي يرى فيها الخبير البيئي تحسيناً لجودة البيئة، هو الاعتماد على خطوط النقل العام فضلاً عن السيارات الكهربائية وكلها إجراءات من شأنها أن تقلل من التلوث البيئي الناجم عن عوادم السيارات.
شراكة مجتمعيَّة
في وقت سابق قامت دائرة التوعية والإعلام البيئي في وزارة البيئة، وبالتعاون مع دوائر بلدية جانبي الكرخ والرصافة، وفي اليوم الوطني للتشجير الذي انطلق في آذار المنصرم، بحملات واسعة انطلقت في مختلف المحافظات، وأوضح المدير العام لدائرة التوعية والإعلام البيئي أمير علي الحسون أنه تم تشكيل فرق إعلامية وتوعوية، من جميع أقسام الدائرة للمُشاركة في حملات التشجير الوطنية التي انطلقت في بغداد والمحافظات تنفيذاً لتوجيهات رئيس الوزراء وبرعاية وزير البيئة ليكون يوم ١٢ آذار من كل عام يوماً وطنياً للتشجير.
مؤكداً ضرورة إشراك جميع المؤسسات والجهات ذات العلاقة و منظمات المجتمع المدني، ليكونوا شركاء حقيقيين للتحول نحو الاقتصاد الأخضر المُستدام الصديق للبيئة، والمُساهمة في مكافحة التصحر والجفاف لتكون خطوة بيئية مهمة في التخفيف من آثار التغيرات المناخية، لخلق بيئة صحية وآمنة خالية من التلوث.
لافتاً إلى أن الجهات المشاركة في الحملة تألفت من دوائر بلدية: الشعب، الكرادة، الغدير، بغداد الجديدة والكاظمية، فضلاً عن وجهاء وأهالي المناطق والشرطة المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني.
تساؤلات
في الوقت الذي دعت فيه الجهات ذات العلاقة إلى الاهتمام بالتشجير، والابتعاد عن قطع الأشجار، تعاني منطقة الدورة التي كانت تزدهر وتعرف باسم (رئة بغداد)، من حملات شرسة لقطع الأشجار وحرقها في حين كانت تمتاز تلك المنطقة بنخيلها وأشجارها، غير أنها شهدت تناقصاً واضحاً في تلك الأعداد منذ سقوط النظام البائد، أم هيام تسكن في المنطقة منذ أكثر من أربعين عاماً وتشعر بالأسى والحسرة، على تلك النخيل التي كانت تزين سماء وأرض الدورة، وهي تطرح تساؤلات متعددة لماذا حرقت تلك الأشجار ومتى وكيف؟، وهل ستنقذ الحملة التي أطلقت اليوم التي تشجع على التشجير ما تبقى منها؟.
نشرت مؤخراً جريدة نيويورك تايمز الأميركية تقريراً بينت فيه أن هناك انحساراً واضحاً، للرئة الحية لمنطقة بغداد ألا وهي تلك المناطق التي كانت تنتشر فيها الأشجار وبكثافة، هذا الانحسار جاء لصالح بناء عقارات عديدة ومجمعات مختلفة، وإن هذا التقليص كان بنسبة تصل في العقدين الماضيين لنحو 12 بالمئة، بعد أن كانت نسبة هذه المساحات أكثر من 28 بالمئة.
فهل ستنقذ حملة التشجير ما بقي من تلك المساحات الخضراء، طرح هذا التساؤل سكان الدورة وكلهم أمل وتفاؤل بهذا الأمر.