جنيفر رانكين
ترجمة: كريمة عبد النبي
نشأت السرياليَّة في عام 1924 كحركة فنيَّة وثقافيَّة في وقت كان العالم يُعاني فيه من الحرب العالميَّة الأولى ونتائجها الكارثيَّة لتعكس ما آلت اليه الحرب المدمّرة. وبعد مئة عام على ولادتها، تبدو الظروف الراهنة في عالم اليوم مشابهة للظروف التي نشأت فيها هذه الحركة.
وتعد الحركة السرياليَّة واحدة من مدارس الفن التشكيلي التي تدعو إلى تحرير العقل من القيود التقليديَّة للتعبير عن الأفكار والمشاعر العميقة والغامضة.
ففي العام 1924 وفي إحدى الشقق الصغيرة في الضواحي البوهيميَّة من مدينة باريس عمل أندريه بريتون، أحد طلاب الجامعات الطبيَّة الذي تحول فيما بعد الى كاتب وشاعر، على إصدار بيان السرياليَّة الأول عرَّف من خلاله السريالية بالحركة العفويّة والنفسيّة النقيّة، ودعا فيه الى فن وأدب جديد. بعد هذا البيان بدأت الحركة السرياليَّة كونها حركة فنيّة وثقافيّة وفلسفيّة تجمع بين الخيال والحقيقة. كما وصف هذا البيان السرياليّة بأنّها حركة مضادة للعقل والواقع حيث نتج عنها واحد من أكثر أنواع الفن التشكيلي غرابة وجنونا وعرفها البيان بمصطلح "فوق الواقعيَّة".
وقد أوضح بريتون من خلال "البيان السريالي" بأنَّ الهدف من هذه الحركة هو مزج الوعي مع اللا وعي ليس من خلال فن الرسم فقط، بل من خلال الكتابة أو أي شكل من أشكال التعبير.
وللاحتفال بهذه المناسبة، تستضيف خمس مدن بالتتابع معرضًا للفن السريالي تعرض من خلاله العديد من الأعمال الفنيَّة التي أنجزها فنانو هذه الحركة على مدى عقود من الزمن. وقد بدأت سلسلة المعارض هذه في مدينة بروكسل ثم ينتقل الى مركز بومبيدو للفنون في مدينة باريس ثمَّ إلى مدريد ومن بعدها مدينة هامبورغ قبل أن تستضيف مدينة فيلادلفيا المعرض الأخير خلال العام المقبل 2025.
وسيعمل معرض مركز بومبيدو على عرض العديد من لوحات الفن السريالي في شهر أيلول يُبيّن من خلاله كيف تمكّنت هذه الحركة من الانتشار حول العالم. وهذا المعرض سيكون الثاني ضمن سلسلة المعارض الخمسة التي تختص بالفن السريالي.
ويقول المنظمون لهذا المعرض "إنّها طريقة لم يسبق لها مثيل في تنظيم أي معرض. وبينما تبقى بعض الأعمال ثابتة في كل مدينة، نجد بأنَّ أعمالًا أخرى تتغيّر ليصبح لكلِّ معرض قصته". وفي آخر معرض أقامه مركز بومبيدو للفن السريالي في عام 2002، وصف الكثيرون هذا الفن بأنَّه حركة أوروبيَّة انبثقت من مجموعة أشخاص في باريس ومنذ ذلك الحين قدمت العديد من الجامعات والمتاحف عددا كبيرا من البحوث حول هذا الفن الذي لم يقتصر على فن الرسم فقط بل شمل الأدب والفنون الأخرى.
وتقول ماري سار؛ أمينة معرض مركز بومبيدو: "من المهم أن نتذكر بأن السريالية كانت حركة غير عادية انتشرت حول العالم، ليس في دول أوروبا فقط بل والولايات المتحدة، وأميركا الجنوبية، وآسيا والمغرب العربي". وأضافت أن السريالية تعمل على إثارة وإظهار الصورة الرائعة لكل مجالات الحياة اليومية الناتجة عن وعي أو عن خيال". وفي قلب هذا المعرض ستكون هناك صفحات من الوثيقة الأصلية لبيان بريتون بعد استعارتها من المكتبة الوطنية الفرنسية التي حصلت على هذه الوثيقة سنة 2021 بعد الإعلان عنها كـ "كنز وطني".
ومن بين الأعمال التي ستعرض في هذا المعرض عدد من أعمال الفنان رينية والفنان سلفادور دالي. كما سيجد زوار هذا المعرض أعمالا فنية لعدد من الفنانين غير المعروفين أمثال الفنان الياباني تاتسو إيكيدا الذي تعكس أعماله فظائع الحرب والفنان المكسيكي روفينو تامايو، وهو من فناني القرن الماضي.
ويتضمن المعرض عددًا من أعمال الفنانات اللاتي لم تلقَ أعمالهن رواجًا في عالم الفن؛ أمثال ليونورا كارينغتون، دوروثي تانينغ ودورا مار. وسيتم نقل العديد من الأعمال التي تم عرضها في بروكسل الى معرض باريس ومن بينها لوحة ثمينة للرسام السريالي البلجيكي رينيه ماغريت بعنوان "إمبراطورية الضوء" التي تصور منظرًا ليليًّا ونهاريًّا لا يخلو من شاعريَّة وغموض حيث كان هذا الفنان مولعًا بتصوير المتضادات والثنائيات والجمع بينهما في لوحة واحدة. وهذه اللوحة هي سلسلة من ثلاث لوحات زيتية والسلسلة هذه تجسد صورة متناقضة لشارع وسط ظلام الليل يضيئه عمود إنارة وحيد وتعلوه سماء في وضح النهار.
وستقدم النسخ الخمسة لهذا المعرض فهما أوسع للفن السريالي وخصائصه. وسينطلق معرض الفن السريالي من مركز بومبيدو في باريس بحلول الرابع من ايلول ويستمر لغاية الثالث عشر من كانون الثاني المقبل.
عن صحيفة الغارديان البريطانية