الآثار الاجتماعيَّة للتحوّلات الاقتصاديَّة

اقتصادية 2024/08/19
...


د. سرور محمد خليل صگر


 من الملاحظ أنَّ التحوّلات الاقتصاديَّة الراهنة التي يشهدها المجتمع العراقي والتي تشمل تدخل الرأسماليَّة في اقتصادنا، قد أثرت بشكل كبير في سوق العمل، تتمثل هذه التحولات في تقلبات أسعار النفط والاتجاه نحو العولمة والرقمنة مما أسفر عن تغييرات ملحوظة في بنية الأسرة وأدوار أفرادها، لأنه مع دخول الاقتصاد الرقمي والسوق العالمية أدت تقلّبات أسعار النفط إلى زيادة عدم الاستقرار الاقتصادي، وتقلّص فرص العمل مما أثقل كاهل الأسر بالضغوط الماليَّة، إذ تزداد هذه الضغوط مع ارتفاع معدلات البطالة، مما قد يسهم في تفكك الأسرة؛ بسبب صعوبة تلبية الاحتياجات الحياتية وهذا ما تشهده غالبية الأسر العراقية، إذ تتسبب في تغيير توزيع الأدوار داخل الأسرة؛ لأنَّ الأفراد يحتاجون للعمل أكثر لدعم الأسرة أو التكيف مع مصادر دخل غير مستقرة، إذ يتعين على الأفراد التكيف والتركيز على النجاح المهني وتحقيق الاستقلال المالي، ونتيجة ذلك نشهد الآن زيادة في مشاركة النساء العراقيات في سوق العمل لدعم الأسرة مالياً؛ إذ دخلت العديد منهنَّ في مجالات المهن اليدوية والتسويق للمنتجات والعمل الحر في كثير من المجالات، وهذا التغير أسفر عن حركة غير مسبوقة للنساء، مما أدى إلى تغييرات في الأدوار التقليدية داخل المنزل العراقي، لذلك أصبح دور المرأة في دعم الاقتصاد الأسري واضحاً، وفي الوقت ذاته ثقلاً كبيراً عليها، إذ تواجه غالبية النساء العراقيات العاملات صعوبات في تحقيق التوازن بين العمل والالتزامات الأسرية، مما يؤثر في نوعية حياتهنَّ، هذا إلى جانب القيود الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في فرصها في التقدم المهني والاستقلالية المالية.

لذلك سوف أتناول تأثير هذه التحوّلات الاقتصادية بشكل أعمق مستندًا في ذلك إلى رؤية عالم الاجتماع علي الوردي، الذي أشار إلى أنَّ التغيرات الاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل البنية الاجتماعية والتفاعلات داخل الأسرة، مثل الانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد أكثر حداثة، إذ تواجه الأسر العراقية تحديات جديدة تشمل تغيرات في نمط الحياة وضغوطا مالية متزايدة، وتغيرًا في الأدوار الاجتماعية التقليدية، هذه التحولات أدت إلى زيادة الفجوة بين الأجيال، إذ يتبنى الجيل الأصغر أساليب حياة ومفاهيم جديدة تختلف عن تلك التي تتبناها الأجيال السابقة، باختصار يمكن القول إنَّ التحولات الاقتصادية الراهنة تسهم في إعادة تشكيل البنية الاجتماعية للأسرة العراقية، حيث يتم التعامل مع الأزمات بطرق جديدة قد تعيد تعريف العلاقات الأسرية والأدوار الاجتماعية، لذا يتطلب التكيف مع التغيرات الاقتصادية استجابة مرنة من أفراد الأسرة العراقية، ولمعالجة التأثيرات السلبية للتحولات الاقتصادية في الأسرة العراقية، يمكن التفكير في مجموعة من الاستراتيجيات التي تتناول مختلف جوانب الحياة الأسرية، من بينها، الجانب الأول: دور الحكومة في تحسين نظام التعليم، لأنَّ التعليم يجب أن يتماشى مع احتياجات سوق العمل وهو ما يتطلب تطبيقاً فعلياً، لأنه ليس من المنطقي أن تخرّج كليات الطب سنوياً أعدادًا كبيرة من الطلاب في الجامعات الحكومية والأهلية، والتي لا تتناسب مع حاجة سوق العمل مما يؤدي إلى تفاقم الخلل الوظيفي في المؤسسات العراقية، الجانب الثاني: تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية والشركات والوزارات، فمن هذه الشركات يمكن للشباب اكتساب خبرات عملية أثناء دراستهم مما يحسّن فرص توظيفهم بعد التخرج، أما الجانب الثالث فهو دور الهيئات المحلية في تقديم برامج ناجحة لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض أو المتضررة من التحولات الاقتصادية، من خلال توفير المساعدات المالية المباشرة أو الدعم في شكل قروض ميسرة خالية من الفوائد، هذا كله يمكن أن يقلل من الضغوط المالية التي تواجهها الأسر ويسهم في استقرارها الاقتصادي والاجتماعي. والجانب الرابع تقديم التعليم والتدريب المهني المجانيين، اللذين يلعبان دوراً حيوياً في معالجة الآثار الاقتصادية السلبية، من خلال توجيه الأفراد نحو اكتساب مهارات جديدة تتماشى مع متطلبات السوق الحديثة. أخيراً؛ يجب أن تركز السياسات الاقتصادية على تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، من خلال تبني سياسات تشجع على الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هذا سيعزز النمو الاقتصادي المحلي ويخلق فرص عمل جديدة، مما يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للأسر على المدى الطويل، ويسهم في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية الفئات الضعيفة لضمان استقرار الأسرة في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة.