في البُعد الثقافيّ.. هل المحبة حقيقيَّة؟

منصة 2024/08/22
...

 كاظم لفتة جبر 

يلتصق مفهوم الثقافة بالإنسان من حيث اختيار حسن التعامل مع الآخر والأشياء، فلكل فرد أسلوبه الخاص في التعامل مع الآخر، علما أن هذا الاسلوب يخضع لعامل نفسي واجتماعي ومعرفي ولغوي واقتصادي، فثقافة المحبة بمعناها الإيجابي ليست وليدة الأنظمة والإيديولوجيات والجماعات، بل هي نظام مرتبط بالتربية والظروف والعوامل المؤثرة داخليا وخارجيا على الأفراد. 

فإذا أردت لثقافة أن تشيع بين الأفراد، وجب عليك توفير الظروف الملائمة وتقليل العوائق التي تجعلها ذات أولوية في المجتمع، فالمحبة غير الحب الذي يكون ذات بعد غريزي ذاتي، بل ما نعني المحبة ببعدها الثقافيّ، أو يمكن أن نقول كيف يتعامل الفرد مع الآخر المختلف معه.

فحقيقة التعامل على وفق ثقافة المحبة، ليست واحدة وواضحة بين الشعوب، لكون طبيعة كل شعب خاضعة لنظام السلطة المتحكم بها، لذلك هي متعددة ومختلفة، فتسعى المنظمات العالمية والدولية إلى اِيجاد متلقى طرق بين الشعوب في التعامل بينهما، وفق لائحة حقوق الإنسان، فلم يجدوا أهم من المبدأ الذي وضعه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب “عليه السلام”. “الناس صنفان أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”. 

إذ إن الإنسانيّة هي الأساس التي تمكن الفرد من فهم الآخر منزوعا من كل توجهاته الإيديولوجية والتبعية، كما ان الدين الذي يقصده الإمام هو الدين الذي يجمعهم في حب الله ومبادئ عدالته، وليس الدين الزائف الايديولوجي. فالمحبة نتيجة أثر يطبع في نفوس الناس بطابع أخلاقي واجتماعي. 

فالمحبة ليست كالحب من حيث إنها فطريّة وغريزيّة، بل هي المحبة ذات الأبعاد الوظيفية التي تساعد الناس على التواصل والاكتشاف والإبداع والعيش المشترك بين متعددي الطوائف والإيديولوجيات والتبعيات. قد يثار سؤال هل هذه المحبة حقيقية؟ 

ترتكز حقيقة جوابنا على أن الحقيقة نسبية في عالمنا، وإذا كانت المحبة تخضع لهذه الحقيقة، فهي أيضاً تستجيب لهذه النسبية لكن في حدود وظيفية نفعية حاجاتية، لذلك تجد ممن لا يفرق بين الحب والمحبة، فالحب خالص من دون منافع وشروط ونابع من القلب، اما المحبة فهي تعتمد على شروط وواجبات ويمكن تتحول مجاملة بين العبد والسيد، أو بين المرؤوس والرئيس، أو بين الاصدقاء كذلك. وحتى الحب يمكن أن يتحول إلى محبة اذا دخل العرضي فيه. أي بمعنى أن الحب قائم على حب المحبوب لذاته، أما إذا دخلت بينهما المصالح والمنافع الدنيوية تحولت لمحبة وأصبح وظيفياً إذا كان بين الأفراد، أما اذا كان بين الجماعات فيصبح ايديولوجيا.

فالحب الفطري واحد عند جميع الناس، لكن المحبة متعددة وذات مفاهيم مختلفة كونها تخضع لعوامل بيناها سالفاً، فالمحبة تعتمد على الإرادة، بعكس الحب والعشق والشهوة  حيث تظهر دون إرادة من الفرد. 

وأن الشائع في عصرنا اليوم هي المحبة، وليس الحب، وهذا ما تجده في وسائل التواصل الاجتماعي، أو أماكن العمل، أو الحياة بصورتها العامة، وهذا أدى إلى تفكك الاسر والمجتمعات بسبب عدم التفريق بين الحب والمحبة ببعدها الثقافي، فإذا كان الحب فطريا إنسانيا، فالمحبة ثقافة مستوردة. 

 الكثير من الفلاسفة تطرقوا للمحبة منُذ القدم، إلا أن رؤية الفيلسوف الفرنسي لوك فيري مختلفة  فيها، إذ عد المحبة هي  الفكرة المركزية لعصرنا الحالي والمحرك الأساس للفكر الإنساني، إذ لم يعد الإنسان يمتثل لمبادئ عظيمة مثل حب الوطن أو الله، بل أصبح المقدس لنا هو الذي يعطي معنى لحياتنا والتزاماتنا ، فقد يكون عن طريق  أشخاص أو موضوعات، لذا يوسع فيرى مفهوم المحبة من مرحلة العاطفة الغريزية إلى مرحلة الإيثار والاهتمام بالآخرين، إي من الأفراد لتعم جميع قطاعات الحياة الاجتماعية. 

وعليه انتقل هذا المفهوم من الميتافيزيقا الإلهية إلى المقدس الإنساني الوضعي الذي تسيطر عليه النزعات المادية والتجارية. وأخذ يظهر بمفاهيم جديدة خاضعة لايديولوجيات وأنظمة عالمية تسعى لبسط نفوذها على عواطف ورغبات

الناس.