سينما الخيال العلمي.. عوالمُ عابرةٌ للزمان والمكان

ثقافة 2024/08/26
...

 على العقباني


تحقيق الخيال صورة وحركة يبدو لي أحد أحلام السينما منذ نشأتها، وكثيراً ما تساءلت منذ وعيت هذا الفن وعشته وغامرت في عالمه، عما أشاهده من عوالم على الشاشة، وعن تحقق تلك العوالم ووجودها أم هي محض خيال واهم ومريض، وكيف تلعب السينما ذلك الدور التنويري والتحريضي، وبدا أن السينما تسابق الخيال التقني والعلمي والروائي.
 ومع الوقت وكلما شاهدت فيلماً ينتمي إلى ما يسمى "سينما الخيال العلمي" مع تحفظي على التسمية، كنت أكثر تساؤلاً حول تلك الكائنات والأماكن والحيوانات الخرافية والمخلوقات القادمة من عوالم وكواكب بعيدة تريد تدمير الأرض، أو تلك الرحلات الأرضية نحو المجهول لاكتشاف هذا الكون، أو تلك الأفلام التي تخترع عوالم على الأرض لكنها ذات طبيعة غير بشرية، والمترافقة مع التطورات الهائلة في المجال التكنولوجي والعلمي والمعرفي، وماذا بعد، ماذا يخبئ العقل البشري من عوالم، ولماذا تُصنع تلك الأفلام، لإثارة الأسئلة حول الكون والحياة والإنسان، أم للإثارة والتشويق، أم لتقديم الغريب، أم سعياً نحو عالم آخر مغر للفن والسينما والإنسان، بدت تلك الأفلام في معظمها أفلام مغامرات وتشويق كتلك التي نشاهدها في الأفلام العادية أو أفلام الويسترن أو أفلام العصابات، تخلو من العمق الفكري أو النظرة الفلسفية العميقة للكون والإنسان.
منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ظهرت موجة سينمائية سميت في ذلك الوقت بأكثر من اسم، منها: "السينما المستقبلية، سينما العالم السفلي، سينما العوالم الخفية...الخ"، سينما تصور عالماً خيالياً وأماكن لم تطأها قدم إنسان وحياة لم يعشها من قبل، مجموعة من الأفكار والمشاهد والأفلام الفوضوية والغريبة، مترافقة مع بعض العوالم الأرضية الخفية والغريبة، قُوبلت حينها بالصراخ والخوف والترقب من المشاهدين حول العالم.
مع انتشار أدب الخيال العلمي وتطور تقنيات السينما والعلم والاكتشافات الكبرى فيه، أنجز عدد كبير من المخرجين أفلاماً شكلت علامات مميزة في تاريخ السينما تعتمد على أفكار الخيال العلمي والبحث عن قصص جديدة تغني فن السينما، وقد وجد في السينما المناخ الأكثر ملاءمة له، ففي عام 1902، أخرج "جورج مليس" أول فيلم خيال علمي، وكان فيلماً صامتاً، مدته 16 دقيقة، وصور العالم كما تخيله ميلس على سطح القمر، من خلال معارك بين سكان القمر والمهاجرين من الأرض، وقد استوحى قصته من رواية (جول فيرن) "من الأرض إلى القمر".
وفي هوليوود تذكر العديد من المصادر السينمائية أن البدايات السينمائية الأولى لأفلام الخيال العلمي كانت في العام 1930، وكانت مجرد خيالات بدائية مع الموسيقى المستقبلية التي تلائم النغمة التوافقية، ونذكر على سبيل المثال، أفلام(ميترو بوليس)عام 1935، فيلم "امبراطور الأشباح"، وفيلم "الكابوي- جين أوتري"، وفيلم "سفينة الصحراء" عام 1963، وفيلم "فأر في القمر"، وغيرها الكثير، هذه الأفلام كانت بداية لرحلة الكوميديا الخيالية التي ظهرت فيما بعد تحت اسم أفلام (فلاش جوردن)، ثم بدأت عجلة أفلام الوحوش بالدوران ، ففي عام 1950 ظهر فيلم (ليلة الجني) وهو فيلم يصور عالم الوحوش الضارية ومدى سيطرتها على البشر.
ومنذ ذلك الحين أصبحنا نشاهد أفلاماً تصور عوالم الفضاء والحياة على الكواكب الأخرى وزوار الكواكب القريبة أو البعيدة عن الأرض، والصحون الطائرة القادمة من كواكب بعيدة، واللقاء الذي طال انتظاره بين الغرباء وسكان الأرض، كما أن البعض من تلك الأفلام تناولت العنف الذي خلفه تطور العلم وسيطرة الآلة على البشر، ودخول الروبوت الآلي والذكاء الاصطناعي إلى المجتمعات الصناعية والبشرية، ولم تكتف سينما الخيال العلمي بالكواكب والمخلوقات الفضائية الغريبة الأشكال والمتطورة، فقد ذهب البعض من الكتاب والمخرجين نحو تصوير عالم الأحلام والكوابيس والطقوس والأسطورة والأرواح الشريرة والأشباح مثل أفلام (انجيلو بولوس) الذي استقى معظم موضوعات أفلامه من الأساطير اليونانية القديمة، وأفلام (جوردان نلسون) الصوفية العميقة، المستوحاة من الأدب البوذي الفلسفي، ونظريات العالم (يونغ) السيكولوجية لإخراج أفلام أسطورية ترمز إلى المراحل الثلاث لسفر التكوين في الفضاء الكوني.
لا تبدو أفلام الخيال العلمي في معظمها خيالاً علمياً محضاً، فقد تمزح الخيال العلمي بالحرب، والأكشن والتشويق والرعب والمغامرة، معتمدة إلى حد كبير على تطور المؤثرات البصرية كعامل مهم  في تشكيل أداة مهمة من أدوات المخرج وواحدة من العناصر الأساسية التي يتم بها تكوين المَشَاهد البصرية والمعارك والأشكال، وغالباً بحبكات درامية مشوقة وذات تأثير كبير في المشاهد، البعض القليل منها حاول ادخال الجانب الفلسفي أو النفسي في تلك الأفلام وهي قليلة جداً، لكن كل ذلك برأيي لم يخلق أفلاماً تقارب العلاقة بين الكواكب والحياة عليها إن وجدت وبين البشر، فالصراع دوماً دموي وقاتل والمخلوقات الفضائية قادمة لسحق الأرض وقتل البشرية، إنها نظرة مغالية إلى تلك العلاقات التي يمكن أن تنشأ إن وجدت، وإن حاول بعضها تصوير الصراع بين الخير والشر، أو بين أشرار وأصحاب أرض، إنها لا تخلق لدى المشاهد عالماً من التعايش والسلام والتعاون ودمج المعارف والعلوم والسعي نحو عالم خال من الأمراض والحروب والصراعات التي لا تنتهي..
 ومن وجهة نظري فإن عالم السينما أوسع من أن يحده حد، فكلما فكرنا في جانب كانت السينما تقدم مقاربة سريعة للعلم والحياة والمستقبل أسرع منا بكثير.