بعد 19 عاماً على إقرار الدستور.. ما الذي يؤخر قانون حرية التعبير؟

ريبورتاج 2024/08/27
...

 سجى قيس

أكثر من تسعة عشر عاماً على إقرار الدستور العراقي، وما زالت المادة 38 التي تكفل حرية التعبير، موضع تجاذب بين القوى السياسية، ولم تجد إطارها القانوني الذي نص عليه الدستور. وفي حين احتفلت الأسرة الصحفية في وقت سابق، بعيد الصحافة العراقية، وهي ذكرى إصدار أول جريدة عراقية، تعاني الأسرة الصحفية اليوم من تشابك القوانين، وغياب المعايير التي تضمن حرية التعبير عن الرأي، وفي الوقت نفسه تنظيم العمل الإعلامي بما يجعله سلطة رابعة تمارس مهامها بقوانين واضحة وتلتزم بأخلاقيات المهنة والرسالة الإنسانية التي تحملها.
تضييق
يقول المحلل السياسي، أستاذ الإعلام الدكتور غالب الدعمي: إن "واقع حرية الرأي في العراق أفضل بكثير من أي دولة من دول الجوار، فالحريات الموجودة في العراق غير موجودة لا في السعودية ولا في دول الخليج جمعاء، وأيضاً غير موجودة في الجمهورية الإسلامية ولا في تركيا".
ويضيف الدعمي في حديثه لـ (الصباح)، أن: الشعب العراقي الآن يتمتع بحرية واسعة جداً، لكن في بعض الأحيان يتم استغلال السلطات في التضييق على أصوات معينة، تبعاً لموقفها من الحكومة، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال إجراء مقارنة بين واقع الحريات الحالية التي يتمتع بها الشعب العراقي وبين الواقع قبل العام 2003.
ويشير الدعمي، إلى أن "هذه الأسباب تدفع بعض الجهات السياسية إلى الالتفاف على المادة 38 من الدستور، كون صناع الرأي العام اكتسبوا قوة كبيرة، وأصبح لهم تأثير كبير في الشارع، إلا أن محاولة التقليل من روح هذه المادة، وتقويض الحريات ستواجه برفض جماهيري".

حلولٌ وقوانين
"لا يمكن تشريع قانون يحمي حرية التعبير عن الرأي"، هكذا يقول القانوني مصدق عادل، مضيفاً في حديثه لـ (الصباح) أن "حرية التعبير لصيقة بالإنسان، ولن يفلح أي مشرع في تنظيمه سواء في العراق أو خارجه".
ويتابع بالقول: "الحل الأمثل هو إناطة مسألة مراقبة حرية التعبير إلى الجهات المهنية المختصة كهيئة الإعلام والاتصالات، ومنع ممارسة الضغوط السياسية ضد الإعلامي، لأي سبب كان، إلا في حال كون الفعل الصادر منه يشكل جريمة سب أو قذف أو تشهير".
أما بشأن الضمانات الواجب توافرها، يؤكد عادل أنها "تتمثل بالمحكمة الدستورية والرقابة الشعبية من الرأي العام،
أما بالنسبة للمنظمات الدولية والمحلية، فلن تستطيع صياغة معايير عالمية لضمان هذه الحرية إذا ما علمنا أن غالبية الدول المتقدمة لا يوجد فيها قانون لحرية التعبير عن الرأي".
يذكر أن المادة 38 من الدستور تنص على "تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب. أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.

معلومة ولكن
ويوضح الناشط المدني شمخي جبر، أن "المادة الدستورية 38 التي تضمن حرية التعبير عن الرأي، غير كافية لضمان هذه الحرية"، مبيناً في حديثه لـ (الصباح) أن "المنظومة القانونية تحتاج إلى الكثير، فعلى سبيل المثال، هناك قانون مهم حتى الآن غير موجود، وهو قانون حق الوصول للمعلومة، فالصحفي لا يستطيع الحصول على الكثير من الوثائق والمعلومات التي تتعلق بعمله".
ويقول جبر أن "أبواب أغلب المؤسسات مغلقة أمام الصحفي، فلا يستطيع أن يطلع على جميع ما يدور ويدار في المؤسسات
والوزارات، وهذا ما يجعل معلومات الصحفي غير دقيقة أو غير موثقة، فيتعرض جراء ذلك للمساءلة القانونية".
ونوه جبر، بأن "الصحافة ما زالت تخضع إلى قوانين النظام المباد، وهذه القوانين لا تصلح لنظام ديمقراطي مثل العراق، لكن هناك عملاً جاداً يتم بالتعاون بين منظمات المجتمع المدني والإعلام من أجل مواجهة مشروع القانون المطروح، والذي يشكل تحدياً للحريات العامة وحرية التعبير"، مشيراً إلى أنه "تم عقد مؤتمر بهذا الشأن وبدعم من عدد من النواب في البرلمان، وتم رفض المشروع المطروح، والسعي إلى ايجاد قانون بديل يأخذ بعين الاعتبار حرية التعبير عن الرأي والحريات العامة، كما أن هناك تنسيقاً مع المنظمات الدولية المعنية، ومنها ممثلية الأمم المتحدة في العراق لضمان الوصول إلى صيغة قانون تضمن هذه الحريات".

تحديات
نقابة الصحفيين العراقيين تلعب دوراً مؤثراً لضمان حرية التعبير عن الرأي، ويقول عضو مجلس نقابة الصحفيين هادي جلو مرعي: إن النقابة ومن حرصها وواجبها في دعم حرية التعبير، تمارس ضغوطاً كبيرة لانتزاع حقوق الصحفيين من خلال التواصل مع السلطة التشريعية، ومنع التعدي على الحريات من قبل القوى المؤثرة، مؤكداً أن "هذه المهمة لا تخلو من الصعوبات كونها محفوفة بالعديد من التحديات".
ويشدد مرعي على أهمية أن يتحلى المشرع العراقي بالقدرة على ايجاد التوازن بين حرية التعبير والإساءة والتشهير التي يمارسها بعض الصحفيين، بعيداً عن فرض إرادة السلطة أو النظام السياسي، منوهاً  بأن المواطن يجب أن يكون قادراً على حماية حقوقه، ويضمن وجود قوانين تسهر على ذلك، وفي الوقت نفسه يؤدي ما عليه من التزامات من دون أن يشعر أنه تحت سلطة قهرية.
كما يتوجب – والحديث لمرعي- أن تضمن القوانين حق الجميع في حماية حرية التعبير وتتيح للمواطنين ضمان حقوقهم، وكذلك أن يقوموا بما عليهم من أدوار من دون التعدي على مساحة الآخرين في المجتمع، مشيراً إلى أن "هناك مشكلة في طبيعة فهم الأدوار وفهم ماهية الحرية وحدودها، خاصة حين يحاول البعض استغلال الحرية المطلقة لهم وإيمانهم بأن على الآخرين ألا يعترضوا".
أما بشأن قانون الحصول على المعلومة، فيقول هادي جلو مرعي: إن "القوانين متاحة شرط التطبيق المتوازن، وعدم تفسير القوانين على الهوى والمزاج السياسي، وفي نهاية الأمر فالمشرع والمعني بذلك هو مجلس النواب باعتباره أعلى سلطة في البلاد".


حقوقٌ وتشريعات
في مجلس النواب، تتجه الآراء إلى عدم الحاجة إلى إيجاد قوانين تضمن حرية التعبير عن الرأي، والاكتفاء بإقرار قانون يضمن حق التظاهر السلمي، إضافة إلى قانون الحصول على المعلومة.
وبحسب عضو اللجنة القانونية، النائب رائد المالكي، فإن الموضوع الذي بالإمكان تنظيمه هو حق التظاهر السلمي، الذي نصت عليه المادة 38 من الدستور الذي اشترط أن ينظم بقانون.
وأوضح المالكي في حديثه لـ(الصباح) أن مجلس النواب يعتزم تشريع قانون تنظيم حق التظاهر السلمي والاعتصام، الذي يمر عبر لجنة حقوق الإنسان النيابية، وإلى اللجنة القانونية، مشيراً إلى أن القانون تأخر إقراره رغم قراءته في مجلس النواب ومناقشته مع الحكومة، إلا أنه تم الاتفاق مؤخراً على الأسس والمبادئ التي من شأنها الإسراع بتمريره، بعد إجراء تعديلات على المسودة القديمة.
أما قانون حرية التعبير عن الرأي، فسيبقى مكفولاً دستورياً، وقيودها هي القيود العامة الموثقة في القوانين النافذة. أما بخصوص قانون تنظيم حق الحصول على المعلومة، فيقول المالكي: إن هناك مسودة لهذا القانون، لكنها بحاجة إلى إنضاج مشترك من لجان الأمن والدفاع وحقوق الإنسان واللجنة القانونية، مبيناً، أن "هذا القانون بحاجة إلى إعادة هيكلة بالكامل، بما ينظم كيفية التعامل مع المعلومات التي يطلبها المواطنون والصحفيون"، مؤكداً أن "مشروع القانون المطروح حالياً لا يلبي الطموح، وهو بحاجة إلى ضمان الشفافية في عمل الحكومة، من خلال إشراك الشعب والمنظمات المدنية في عملية الرقابة".