الألواح الشمسيَّة.. تنمية مستدامة وبيئة نظيفة
فجر محمد
يجلس مع أولاده على الأريكة، وغرف المنزل الثلاث تنعم ببرودة لطيفة في جو (آب اللهاب) كما يحلو للعراقيين أن يطلقوا على شهر آب، إذ يعبر عبد الرحمن رشيد عن سعادته وهو يرى أجهزته المنزلية تعمل وبوتيرة منتظمة ودون انقطاع، منذ أن قرر الانتقال إلى الألواح الشمسية التي انتشرت على سطح منزله. يشعر عبد الرحمن بالفخر والارتياح في آن واحد، لأنه تمكن من حل مشكلة مضت على وجودها في البلاد أعوام طويلة.
فقد قرر عبد الرحمن المهندس الميكانيكي، منذ خمسة أعوام أن يستثمر مبلغاً مادياً في الطاقة النظيفة، كان قد جمعه برفقة شريكة حياته، ورغبة منه في إسعاد أسرته الصغيرة المكونة من طفلين.
يعتقد عبد الرحمن أن التخلص من هذه الأزمة وحل مشكلة الكهرباء، يعد إنجازاً كبيراً، ولذلك فقد اشترى ثلاثة ألواح شمسية وبطارية في بادئ الأمر، ثم عمل على زيادتها لاحقاً، عندما رأى النتائج المبهرة كما يصفها.
على سطح منزله الصغير، قام عبد الرحمن بتجهيز غرفة صغيرة مزودة بأجهزة تبريد ووضع فيها البطاريات، ونهاية كل أسبوع يقوم بحملة صيانة وإدامة لها على حد وصفه.
يقول عبد الرحمن بينما هو منهمك بتنظيف الألواح الشمسية: "لقد ودعت وبشكل نهائي الاشتراك في المولدات الأهلية ومنذ أعوام، لم أرد أي شيء سوى أن نعيش براحة أنا وأسرتي".
صديقة للبيئة
توضح عميدة كلية اقتصاديات الأعمال في جامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة، أن الطاقة المتجددة هي نوع من أنواع الطاقة التي تُولّد من مصادر طبيعية، ما يعني أنها لا تنضب مع الاستهلاك الكبير بل هي دائمة التجدُّد، وهي تختلف عن مصادر نظيرتها التقليدية بأنها غير محدودة وصديقة للبيئة ولا تؤثر عليها بتاتاً، أو على أقل تقدير فإن تأثيرها بسيط لا يُقارن مع تأثير الوقود الأحفوري مثلًا. وقد أصبحت مصادر الطاقة المتجددة جزءاً لا يتجزأ من مسؤولية الشركات التي تسعى لتحقيق التنمية المستدامة، ويزيد استهلاك هذه الطاقة يومًا بعد آخر، ففي العام 2017 غطت الطاقة المتجددة ما يُقارب 8 بالمئة من كهرباء العالم، ورُبع هذه الكمية حصلت عليها الصين، والسدس كان مقسماً بين الولايات المتحدة الأميركية والهند واليابان.
إذن هي الطاقة من المصادر التي تتجدد بشكل طبيعي ولكنها محدودة التدفق، كما أن الموارد المتجددة تكاد لا تنضب من حيث المدة.
تقنية حديثة
يرى المهندس وصاحب إحدى شركات الألواح الشمسية حيدر كاظم أن الاستثمار في الطاقة النظيفة يعد من الخطوات الناجحة التي ينصح بها كل فرد، لا سيما بعد ظهور تقنية بطاريات الليثيوم التي قد يصل عمرها إلى ما يقارب الـ 10 أعوام، وربما الاستثمار مكلف في بادئ الأمر، لكن فيما بعد سيجد المواطن نجاحاً كبيراً، وطاقة كهربائية متواصلة وبوتيرة منتظمة، ما يعني وضع حلول لأزمة الكهرباء المستمرة.
وعن المنشأ لتلك الألواح يبين المهندس حيدر أن أغلبها صينية، ولكن بكفاءة عالية ومن شركات رصينة، ومن الملاحظ أن هناك إقبالاً كبيراً على اقتناء هذه الألواح وتركيبها على سطوح المنازل، خصوصاً تلك التي تتوفر فيها مساحات كبيرة ومناسبة لتلك الألواح.
ومن الجدير بالذكر أن مشروع الاستعانة بالطاقة البديلة يتطلب خبراء ومختصين من أجل إنجاحه وبشكل كبير. ومن المفترض أن تعمل الجهات ذات العلاقة على اشراك الطاقة البديلة واعتمادها كمصدر حيوي ومهم لتوفير الكهرباء في العراق.
الغازات الدفيئة
أشار الصحفي والناشط البيئي علي ناجي، إلى أنه منذ 1992 وتحديداً قمة ريو دي جانيرو التي عرفت باسم (قمة الأرض) بالبرازيل والمفاوضات الدولية التي عقدت آنذاك، كانت مساعي الدول المشاركة تنصب باتجاه مكافحة تغير المناخ، ولم تتوقف تلك الجهود إلى يومنا هذا ولذلك لم تجد الجهات والدول المشاركة، سبيلاً أفضل من استخدام الطاقة المتجددة لإيقاف التغير المناخي الكبير، الذي يعود جزءاً منه إلى ازدياد العدد السكاني والحروب والاستخدام غير الصحيح للموارد الطبيعية.
ويلفت الصحفي علي، إلى أن الغازات الدفيئة التي تحيط بالأرض وتحبس حرارة الشمس من خلال إنتاج الطاقة عن طريق حرق الوقود الأحفوري سواء الفحم أو النفط والغاز، لتوليد الكهرباء والحرارة هي أيضاً من مسببات التغير المناخي. ولأن الطاقة المتجددة بمختلف أنواعها قادرة الآن على التقليل من استخدام هذه الطرق المضرة بالبيئة، وأثبت ذلك نجاح بعض الدول التي أعطت اهتماماً كبيراً للطاقة النظيفة مثل ايسلندا والنرويج والسويد، لذا تعد هذه تجارب ناجحة وتستحق الإشادة.
ويعتقد ناجي أنه من الضروري أن يحذو العراق حذو تلك البلدان باعتماد الطاقة المتجددة، لكونه من البلدان المتضررة من تغير المناخ، بسبب إنتاج الوقود والاستخدام غير الصحيح للطاقة الكهربائية من قبل المواطنين عبر المولدات المحلية لإنتاج الكهرباء.
أنواعٌ مختلفة
وتوضح العميدة الدكتورة نغم حسين نعمة أن هناك أنواعاً رئيسة لمصادر الطاقة المتجددة، ومنها الشمس التي أنتجت طاقة منذ مليارات السنين، وهي المصدر النهائي لجميع مصادر الطاقة وأنواع الوقود التي نستخدمها اليوم. إذ استخدم الناس أشعة الشمس (الإشعاع الشمسي) لآلاف السنين للدفء ولتجفيف اللحوم والفواكه والحبوب، ومع مرور الوقت سعى الأفراد إلى تطوير تقنيات لتجميع الطاقة الشمسية للتدفئة وتحويلها إلى كهرباء. ومن الأنواع الأخرى التي تضاف للطاقة البديلة هي الرياح و هي تتولد من حركة الهواء، و عن تسخين غير متساوٍ لسطح الأرض بفعل الشمس، نظرًا لأن سطح الأرض يتكون من أنواع مختلفة من اليابسة والمياه، فإنه يمتص حرارة الشمس بمعدلات مختلفة.
تحقيق الوفرة
وتعتقد العميدة الدكتورة نغم حسين نعمة، أن استخدام الطاقة البديلة في القطاعات المختلفة، يؤدي إلى تحقيق وفرة في استهلاك المصادر التقليدية للطاقة، ويسمح بتوفير فائض في التصدير، كما يسهم في إطالة عمر مخزون المصادر التقليدية في الدول المنتجة للنفط والغاز، كما يمكن أن تمثل الوفرة المحققة من الاستهلاك، انخفاضاً في تكاليف استيراد المصادر التقليدية بالنسبة للدول غير المنتجة للنفط والغاز، فضلاً عن ذلك فإن الإمكانيات المتاحة حالياً للنظم المركزية الكبيرة لتوليد الكهرباء، تمثل فرصة للتوجه نحو تصدير الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة. يضاف إلى ذلك أن استهلاك تلك الطاقة من شأنه أن يوفر فرص
عمل متنوعة.
ويشاطرها الرأي الصحفي علي ناجي، في اعتقاده أن الطاقة البديلة بإمكانها أن توفر مستقبلاً آمناً وأكثر اعتماداً، سواء للدول أو الأفراد من عمليات إنتاج الوقود الأحفوري، لأن تلك الطاقة لا تقتصر فقط على المساهمة بالحفاظ على المناخ ومعالجة تلوثه، إنما تخلق فرص عمل، إذ إن كل دولار ينفق في مصادر الطاقة المتجددة ينتج ثلاثة أضعاف الوظائف المستحدثة في قطاع الوقود الأحفوري، وحسب التوقعات في حال فقدان نحو 5 ملايين وظيفة في مجال إنتاج الوقود الأحفوري بحلول عام 2030، سيتم استحداث حوالي 14 مليون وظيفة جديدة في مجال الطاقة النظيفة بالمقابل، أي كسب 9 ملايين
وظيفة.