أوس ستار الغانمي
في السنوات الأخيرة، بات سباق الذكاء الاصطناعي (AI) بين الولايات المتحدة والصين يشكل محورًا رئيسًا في الساحة الجيوسياسيَّة العالميَّة. يهدف هذا السباق إلى تحقيق الهيمنة التكنولوجيَّة والعلميَّة في مجالات عديدة تمتدُّ من الاقتصاد إلى الأمن القومي. وبالرغم من أنَّ السباق يعكسُ التنافس التقليدي بين القوى الكبرى، فإنَّه يسلط الضوء أيضًا على ضرورة إدارة هذا التنافس بعناية لتجنب مخاطر التصعيد غير المحسوب، وفي الوقت نفسه استثمار الفرص التي قد تنشأ من هذا التنافس.
الدوافع الاقتصاديَّة والاستراتيجيَّة
إنَّ سباق الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين ليس مجرد منافسة تقنيَّة، بل هو جزءٌ من صراعٍ أوسع على الهيمنة الاقتصاديَّة والسياسيَّة. تعدُّ الولايات المتحدة رائدة تاريخيَّة في مجال التكنولوجيا، وقد استثمرت بشكلٍ كبيرٍ في تطوير الذكاء الاصطناعي على مدى العقود الماضية. من ناحية أخرى، تسعى الصين جاهدة للحاق بركب التكنولوجيا المتقدمة، وقد وضعت استراتيجيَّة وطنيَّة طموحة لتصبح رائدة في الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2030.الدوافع الاقتصاديَّة لهذا السباق واضحة. يتوقع أنْ يكون للذكاء الاصطناعي تأثيرٌ كبيرٌ في مختلف الصناعات، ما يعزز النمو الاقتصادي ويخلق فرصَ عملٍ جديدة. بالنسبة للصين، يمثل الذكاء الاصطناعي وسيلة للتغلب على التحديات الاقتصاديَّة التي تواجهها، مثل تباطؤ النمو السكاني والحاجة إلى الابتكار للحفاظ على وتيرة النمو. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنَّ التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي يُعدُّ ضروريًا للحفاظ على ريادتها الاقتصاديَّة ومواجهة التحديات من القوى الصاعدة مثل الصين.
الأبعاد الأمنيَّة والجيوسياسيَّة
إلى جانب الدوافع الاقتصاديَّة، يشكل الذكاء الاصطناعي عنصرًا حاسمًا في تعزيز القدرات العسكريَّة والاستخباراتيَّة. تسعى الولايات المتحدة والصين إلى دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الدفاع، وتحسين قدرات المراقبة والتحليل، وتطوير أسلحة ذكيَّة تستطيع التفوق في ساحة المعركة المستقبليَّة.
هذا الجانب من السباق يثير مخاوف كبيرة بشأن احتمالات تصعيد التوترات العسكريَّة. فالذكاء الاصطناعي يمكن أنْ يؤدي إلى تغييرات جذريَّة في ميزان القوى العسكريَّة، الأمر الذي قد يدفع الأطراف المتنافسة إلى اتخاذ خطوات غير محسوبة للحفاظ على تفوقها. في هذا السياق، يصبح التحدي الأساسي هو كيفيَّة إدارة هذه التنافسيَّة التقنيَّة العالية بطريقة تضمن الاستقرار العالمي وتجنب سباق تسلحٍ جديدٍ يضعُ العالمَ على شفا حروب تكنولوجيَّة.
التحديات التنظيميَّة والأخلاقيَّة
تترافق مع سباق الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين تحدياتٌ كبيرة على الصعيدين التنظيمي والأخلاقي. فالذكاء الاصطناعي يثير قضايا معقدة تتعلق بالخصوصيَّة، والمسؤوليَّة عن القرارات التي تتخذها الأنظمة الذكيَّة، والتأثيرات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في القوى العاملة.
في الولايات المتحدة، تواجه الحكومة تحدياتٍ في تنظيم قطاع التكنولوجيا المتنامي من دون إعاقة الابتكار. أما الصين، فهي تعتمد نهجًا مركزيًا أكثر في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، ما يثير مخاوف بشأن استخدام التكنولوجيا في تعزيز المراقبة والسيطرة الحكوميَّة.
على الصعيد الأخلاقي، تواجه الدولتان قضايا مشابهة تتعلق بكيفيَّة ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تعود بالفائدة على البشريَّة ككل، وليس فقط على النخب أو الحكومات. يشمل ذلك ضمان عدم استخدام الذكاء الاصطناعي في تقويض حقوق الإنسان أو تعزيز الأنظمة القمعيَّة. هنا، يكمن دور المنظمات الدوليَّة والمجتمع المدني في الضغط من أجل وضع معايير أخلاقيَّة دوليَّة لاستخدام هذه التكنولوجيا.
إمكانيات التعاون والمنافسة الصحيَّة
بالرغم من الطابع التنافسي الشديد لهذا السباق، توجد فرص للتعاون بين الولايات المتحدة والصين. يمكن أنْ يشمل ذلك التعاون في المجالات التي تتطلب جهودًا دوليَّة مشتركة، مثل التغير المناخي، والرعاية الصحيَّة، والأمن السيبراني. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين استجابة البشريَّة للتحديات الصحيَّة العالميَّة مثل جائحة (كوفيد – 19)، أو لتطوير حلولٍ مبتكرة لمكافحة التغير المناخي.في النهاية، يبقى السؤال المطروح هو كيفيَّة إدارة هذا السباق بطريقة تعزز الابتكار وتحقق فوائد للجميع، من دون الانزلاق إلى مواجهاتٍ غير ضروريَّة أو سباقات تسلحٍ
خطيرة.
إنَّ تبني نهجٍ يقوم على المنافسة الصحيَّة والتعاون الدولي، قد يكون السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف، ففي عالمٍ يزدادُ ترابطه وتعقيده، قد يكون الذكاء الاصطناعي هو المفتاح لتحسين حياة مليارات البشر، إذا تمَّت إدارته بحكمة ورؤية بعيدة المدى.