جليل خزعل: نذرتُ قلَمي لخدمة آل البيت (عليهم السلام)

ثقافة 2024/09/03
...

 حاورته: رندة حلوم

خطاب الطفل من أصعب وأدق أنواع الخطاب لذلك كانت المسؤوليَّة كبيرة على عاتق المشتغلين بأدب الطفل، 

وعندما يتجه هذا الأدب إلى الخطاب الديني تكون مسؤوليته مضاعفة؛ آل البيت "سلام الله عليهم" نبراس الهدى 

في كل حين، وقصصهم خيرُ ما يستنيرُ به عقل الطفل العربي، لذلك تناول أدباء الأطفال في الوطن العربي عامة وفي 

العراق على وجه الخصوص، سيرتهم ومظلوميتهم وأخلاقهم الحميدة، فرسالة الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة الظلم ونشر العدل والحق والتسامح. 

كانت ملهمة لأدب الطفل في كل أنواعه، الكاتب العراقي الكبير جليل خزعل من أهم كتَّاب الأطفال في الوطن العربي الذين نذروا قلمهم لخدمة آل بيت النبوة، وقد نجح في هذا التوجه وأبدع فيه، سواء في الشعر أو القصة أو المسرح أو صحافة الطفل، الصباح حاورت الأديب العراقي جليل خزعل:

 أنتَ من أهمّ أدباء الأطفال في الوطن العربي، خاطبت الأطفال وأبدعت في خطابهم، ما هي أدواتك في هذا الخطاب؟

- الصدق، والمفردة السهلة المفهومة المناسبة لقاموس الطفل اللفظي، وإدراكه العقلي، مع موهبة من الله صقلتها بالاطلاع، وزيّنتها بالخيال الإيجابي الذي يُسعدُ القارئ، وكنت حريصاً على حسن اختيار الموضوعات التي تستهوي الطفل، وتثير اهتمامه. هذا أبرز ما تميزت به عن زملائي في هذا المجال، وقد أكد ذلك أكثر من ناقد، وكذلك الدراسات الأكاديميَّة التي تناولت تجربتي في هذا الميدان والتي بلغت حتى الآن أربع رسائل ماجستير خاصة بي حصراً وبحدود 10 رسائل تناولت أدب الطفل العربي والعراقي بصورة عامَّة ومنها نتاجي الموجه للطفل.

 من أهم توجهاتك في رسالتك إلى الطفل العربي كان التوجه إلى الخطاب الديني، على ماذا يجب أنْ يرتكز الشاعر عند التوجه نحو الخطاب الحساس؟

- القصة الدينيَّة والقصيدة الدينيَّة نمطٌ من أنماط أدب الطفل معروفة جداً، كتب فيها كثيرٌ من الأدباء، على كاتب الأطفال أنْ يكون حذراً حين يقتربُ من هذه المنطقة، ويكون دقيقاً في معلوماته التاريخيَّة، والعلميَّة، وموضوعياً في خطابه، كي لا يثير الحساسيَّة عند الطرف المخالف، عليه أنْ يبتعدَ عن التطرف، والتشدّد وذكر أقسى صور العذاب والتنكيل التي تثيرُ رعبَ الطفل وهو يتحدث عن المقصرين في واجباتهم الدينيَّة. هناك فسحة واسعة في الخطاب الديني تتيحُ للكاتب أنْ يتناول موضوعاتٍ تتعلقُ بالخلق الكريم والتسامح والسلام والمحبة، والرحمة، ونبذ العنف، ومساعدة الآخرين.

بعبارة أخرى الموضوعات التي تقرّب الطفل من الله بطريقة مقبولة ومناسبة، وتجعله يحبُ ربَّه ونبيه والأولياء الصالحين، وهذه أمورٌ تصبُّ في جوهر الدين وتكون قاسماً مشتركاً لكل الأديان السماويَّة. يدخل ضمن هذه الموضوعات الاهتمام بالنظافة والمحافظة على البيئة التي هي هبة من ربنا لكل البشر.

 ما هو المطلوب من أدب الطفل حتى يتبنى ويدعم فكر آل البيت، وما هي أهم الأمور التي يجب التركيز عليها لنقول إنَّنا أبدعنا في ذلك؟

- آل البيت عليهم السلام هم عنوان الإيمان والرحمة، وهم أولياء الله في أرضه، حياة كل واحدٍ منهم فيها صفحاتٌ منيرة تصلح أنْ تكونَ مادة تقدم للطفل، كي يتعلم منها الدروس والعبر، ويزداد إيمانه وقربه من الله. هم مصابيح الهدى، وسفن النجاة، علينا أنْ نقدمهم بطريقة تليق بهم، وبجدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نستلهم منهم المعاني السامية، ومواقف الشجاعة والبسالة والكرم والتسامح. ورفض الظلم. لا نغالي كثيراً في وصف معجزاتهم، ولا ننسب لهم أقوالاً وأفعالاً غير حقيقيَّة. نستذكر مناسباتهم ونترجمها بصورة فنيَّة يدركها الطفل ويتفاعل معها وجدانياً، سواء أكانت المناسبة مفرحة أم حزينة. هم شموسٌ ساطعة، وأقمارٌ منيرة، وأنجم لامعة، وبحار الجود، وسادة العباد في الكرم والعطاء والنبل. وكل هذه المجالات تتيح لنا أنْ نبدعَ في هذا الجانب ونحبّبهم للطفل كي يكونوا قدوته في الحياة ومثله الأعلى وهم أهل لذلك

 هل استطاع مسرح الطفل - وأنت من أهم كتابه - تقديم المأساة التي وقعت على آل البيت واقعة (الطف) بصورة قريبة إلى ذهنيَّة الطّفل؟

- أعمالٌ مسرحيَّة كثيرة تناولت واقعة الطف، ولكنْ مهما كانت قوة هذه الأعمال فهي تبقى عاجزة عن الوصول إلى تضحيات أبي الأحرار مولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام وموقفه الخالد في واقعة الطف. لا يمكن لعملٍ واحدٍ مهما كان مؤثراً وناجحاً أنْ يكونَ ملماً بتفاصيل الواقعة وجوانبها كلها. لذلك تعدّدت وتتعدّد الأعمال، في أكثر من بلدٍ عربي أو مسلم لتقديم هذه الواقعة للأطفال بصورة تناسبُ أهميتها، ودروسها الكبيرة والعظيمة في الصبر والشجاعة والثبات على المبدأ، ورفض الظلم والذل.

في العراق صار لدينا مهرجانٌ مسرحيٌّ عالميٌّ هو مهرجان (الحسيني الصغير لمسرح الطفل الدولي)، يقيمه قسم رعاية الطفولة في العتبة الحسينيَّة المقدسة، وقد وصل هذا العام إلى نسخته الثامنة، وتشارك فيه دولٌ وفرقٌ عالميَّة، فضلاً عن مهرجانات مسرح التعزية التي تقام في أكثر من محافظة عراقيَّة، وهي تستلهمُ وتستفيدُ من التجارب الشعبيَّة في طقوس العزاء السنويَّة التي تقام يوم العاشر من محرم تحت تسمية "التشابيه" في أغلب مدن العراق وأحيائه. وهناك محاولات جادة من قبل وزارة الثقافة لإدراج هذه الطقوس ضمن التراث العالمي تحت إشراف "اليونسكو".

 أبدعت في كل أنواع أدب الطّفل، مسرح، قصة، شعر، أين وجدت نفسك أكثر، وأي الأنواع كان الأقدر على إيصال الرسالة؟

- الشعر هو مملكتي وميداني المفضّل الذي عرفت به، ولي عشرات المجاميع الشعريَّة، وعددٌ كبيرٌ من القصائد الملحنة والأناشيد، لكنْ لي نجاحات في فنونٍ أخرى، ومنها القصة السرديَّة، والقصص المصورة (الكوميك)، والكتب التعليميَّة، أما المسرح فهو محطة استراحة ألجأ إليها عندما أمل من كتابة الشعر والقصة السرديَّة والموضوعات العلميَّة، لكنني حتى في المسرح أميل إلى كتابة الشعر والمسرحيَّة الشعريَّة. وقد نلت عدة جوائز في المسرح، منها الجائزة الأولى لمسابقة الهيئة العربيَّة للمسرح في الشارقة، والجائزة الثانية في أولمبياد اللغة الإنكليزيَّة في الأردن، بعد أنْ ترجمت إحدى مسرحياتي إلى اللغة الإنكليزيَّة. كما فزت بجائزة أفضل أشعار مسرحيَّة في مهرجان الحسيني الصغير لمسرح الطفل في كربلاء. كذلك كتبت عدداً كبيراً من البرامج الإذاعيَّة والتلفزيونيَّة، وأفلام الرسوم المتحركة، والأفلام الوثائقيَّة.

 لك حضورٌ قويٌ ومؤثرٌ في صحافة وإعلام الطفل العربي، كيف تقيّمُ دور صحافة الطفل في دعم رسالة آل البيت، وما هي أهم الدوريات المختصة في ذلك في العراق؟

- صحافة الطفل هي الوسيط الأنسب لنقل أدب الطفل وترسيخ ثقافة الطفل على مدى عقودٍ من الزمن. في العراق يعودُ تاريخ صحافة الطفل إلى العام 1922 وهو تاريخ صدور أول مجلة عراقيَّة للأطفال وهي مجلة التلميذ العراقي. وكانت مجلة مدرسيَّة تهذيبيَّة أسبوعيَّة. لكن بعد العام 2003 صدرت في العراق عدة مجلات للأطفال أغلبها كانت تابعة للعتبات الحسينيَّة ومنها مجلة الحسيني الصغير، ومجلة رياحين، ومجلة قنبر، ومجلة براعم الجوادين. وقد أدّت هذه المجلات دوراً كبيراً في دعم رسالة آل البيت ونشر فكرهم، عبر مواد متنوعة منها القصة والشعر والمادة التاريخيَّة، والقصص المصورة، واستقطبت كتاباً من بلدان عربيَّة ومجاورة، ولا ننسى مجلة بيروتيَّة تقوم بدور مماثل هي مجلة "مهدي".

ومن القنوات الفضائيَّة المهمة الموجهة للأطفال قناة طه، وقناة الهدهد، وقناة شهاب الفضائيَّة. وقناة كربلاء الفضائيَّة هذه القنوات أنتجت عدداً كبيراً من البرامج والأناشيد التي استلهمت فكر آل البيت عليهم السلام.

 شخصيَّة الإمام الحسين عليه السلام نبراس الهداية في كل وقتٍ، ما أهم الملامح التي تناولتها في شخصيَّة الإمام، وهل من الممكن ذكر بعض الأبيات؟

- كتبت أكثر من نصٍ شعري وقصصي عن الإمام الحسين عليه السلام، ويشرّفني أنْ أكونَ صاحب النشيد الذي أصبح بمثابة النشيد الأشهر في محبة الإمام الذي يردده الأطفال في العالم وهو نشيد (صغاراً كباراً نُحبُّ الحسين) الذي تقول كلماته.

صِغارًا ، كِبـــارًا نُحِبُّ الحُسَـين

ونَمْضي جَميــعاً فِداءَ الحُسَين

    

لِأَنَّ الحُسَيــــــنَ أَبـــو الثَّائرين

ورَمْزُ البُطولـَـةِ والصـــَّــابرين

بِصَــــبرٍ وعَزْمٍ تَحَدّى الطُــغاةْ

ومَاتَ شـــَــهيدًا جِوارَ الفُراتْ

فلــــــــــوْلاهُ ما كانَ للهِ دِيـــن

    


حُسَينٌ ســِــراجٌ يُنيرُ الحَيــــاة

وحُبٌّ الحُسَـــينِ سَبيلُ النــَّـجاة

بالنَّفسِ ضـَــحّى وكُلِّ العِيـــــال

وماتَ شــــَـهيدًا بِساحِ القِتـــال

فكيفَ سَنَنْســـى طَريقَ الحُسَين؟

 قصة السيدة رقيَّة، وقصة الرضيع من أهم المظالم التي وقعت على الأطفال من آل البيت، كيف تناولها أدباء الاطفال، وأنت منهم في الشعر والقصة والمسرح؟، ونذكر أبياتاً لك هنا؟

- أعمالٌ كثيرة تناولت تضحيات آل البيت الكرام عليهم السلام والمظلوميَّة الجسيمة التي تعرضوا لها، ولم يسلم منها حتى صغارهم. فصارت قصة مولاتنا رقيَّة واستشهادها في مجلس الطاغيَّة، وقصة استشهاد عبد الله الرضيع بين كفي أبيه المعروفة مادة مؤثرة تكشف مدى جبن أعداء آل البيت وانحطاطهم، ووحشيتهم وقسوتهم، وانعدام الرحمة والإنسانيَّة 

من قلوبهم، وفقدانهم لقيم الرجولة والكرامة. 

وكذلك قصة أولاد مسلم بن عقيل عليه السلام وفرارهم من السجن واستشهادهم على يد السجان بعد ذلك وهي من القصص المؤثرة والحزينة جداً وقد تناولها أكثر من عملٍ أدبي وفني وأنتج عنها مسلسل تلفزيوني من عدة حلقات.

 ما هي أهم نتاجاتك للأطفال في رسالة بيت النبوة، وهل هناك مشاريع مستقبليَّة؟

- لقد نذرت قلمي لخدمة آل البيت عليهم السلام بفضل وحمده، ولا أستطيع أنْ أحصي كل ما كتبته في هذا المجال لكثرته، لكنْ يمكنني أنْ أشيرَ إلى بعض الأعمال المهمة، منها مجموعة رياحين الشعريَّة التي صدرت بجزأين من العتبة العباسيَّة المقدسة، وديوان رحلة في عصر الظهور بجزأين صدر عن العتبة العلويَّة المقدسة، وكتاب (حياة الفادي) وهو كتاب قصصي مصوّر صدر عن العتبة العلويَّة المقدسة برسومٍ جميلة وطباعة فاخرة تناول الجزء الأول حياة أمير المؤمنين عليه السلام من ولادته حتى وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. وكتاب (الحسين شهيداً) صدر عن وزارة الشباب والرياضة في العراق. وديوان (ما أجمل الحمام) الصادر عن العتبة الكاظميَّة المقدسة، فضلاً عن عشرات الأعمال المسرحيَّة والأناشيد المُلحّنة في القنوات الفضائيَّة.

وهناك مشاريع كثيرة أخرى، قسمٌ منجز ينتظر الطبع أو التنفيذ وقسمٌ في طور الكتابة.

 هل تسهمُ الجهات المعنيَّة بدعم هذا النتاج الأدبي، من خلال المسابقات والمهرجانات؟ وما هي أهمها؟ وهل لك أنْ تحدثنا عن مشاركاتك فيها؟

- قامت العتبات المقدسة بدورٍ مهمٍ في دعم هذه النتاج الأدبي والفني الموجّه للطفولة والناشئة. وبعض المؤسسات الأخرى ومنها مؤسسة الهدى لثقافة الناشئين، ومركز ميم، وأقيمت مسابقات كثيرة في هذا المجال، ومنها مهرجان الحسيني الصغير لمسرح الطفل الدولي، ومسابقات كتابة القصيدة والقصة المصورة التي أقامها مركز المحسن لثقافة الطفل، وكنتُ في في الغالب مساهماً في هذه الفعاليات، سواء من خلال الكتابة المباشرة، أو ترؤسي للجان التحكيم والفحص، والإشراف المباشر على هذه المسابقات والجوائز.

 ماذا لو يكتب الأطفال هذا النوع من الشعر الغنائي الديني أو حتى القصص، وكيف يتم دعم هذا العمل الإبداعي لديهم؟

- هناك توجهٌ وتشجيعٌ كبيران لدعوة الأطفال على خوض هذه التجربة من خلال إقامة المسابقات والمهرجانات الأدبيَّة والفنيَّة، وكذلك ورش الكتابة الإبداعيَّة في الشعر والقصة وتأليف النص المسرحي، وتقديم البرامج التلفزيونيَّة، وصناعة الدمى، ومن فوائد هذه الفعاليات الكشف عن طاقات واعدة سيكون لها دورٌ مهمٌ في المستقبل إن شاء الله. ولي الشرف أنني أصدرت بالتعاون مع مركز المحسن لثقافة الطفل التابع للعتبة العلويَّة المقدسة كتاباً في هذا المجال عنوانه (مهارات الكتابة الإبداعيَّة) يساعد الطفل في كتابة الشعر والقصة والإنشاء. وهو يوزّع مجاناً للمدارس، وتمت الاستفادة منه في كثيرٍ من الورش والدورات التدريبيَّة داخل العراق وخارجه.

 صورة نساء آل البيت، منهم السيدة زينب عليها السلام ونساء آل البيت جميعهن من أهم النماذج النسائيَّة في الإسلام كيف تم تناول صورتهنَّ في نماذج من رسالة أدب الأطفال؟

- نساء آل البيت يجب أنْ يكنَّ المثل الأعلى لكل فتاة مسلمة، فهنَّ مثال العفة والطهر والصبر والوفاء والشجاعة، والخلق الرفيع، والحنان والمرحمة، والثقافة الرفيعة في المنطق والحوار والتعامل والصدق، وقد ركّزت على هذا الجانب في أكثر من عمل موجه للأطفال، وأعتز بقصيدتي التي حملت عنوان (بنت فاطمة) التي أصبحت بمثابة النشيد الأول لكل فتاة مسلمة.