حاورته: رندة حلوم
الفنان التشكيلي نواف سليمان فلسطيني عاش خارج بلاده، وحملها معه فناً وفكراً وقضيّة، كانت ثقافة الانتفاضة طاغية على أبعاد فضاء أعماله الرّحب، فمازج بين الشرق والغرب متنقلا بين الشرقيّة الطاغية على الحروفيّة والمدارس الكلاسيكيّة الغربية والفن الرقمي الحديث. جسدت أعماله مضامين المشاعر الزمكانية المكثفة والمختزلة التي امتاز بها الفنانون الفلسطينيون عن غيرهم، فسلط الضوء على معاناة الإنسان المقاوم والمقهور، ولاسيّما في منحوتاته الحجرية.
كما تناول التّراث الفلسطيني بالمزيد من الفرح في تكوينه الفني والحركة اللوّنية بجدارة التعدد والتناقض.
كيف كان مشوار حياتك من قرية عقربا في فلسطين إلى العاصمة الأمريكية واشنطن؟
- ولدت في عام 1959 بقرية “عقربا-نابلس” الفلسطينية، ولكنّني وكأيّ فلسطيني ساقتني أقداري إلى العيش في أماكن كثيرة من دون أن أكون جزءاً منها، وكانت الحروب عربة التّنقل وأسبابه في الخروج من مكان إلى مكان من دون وجود أيّة علاقة لتلك الأماكن ببعضها البعض. وكما يقول الرّاحل محمود درويش “ولفكرتي عن عالمي خلل يسببه الرّحيل” ساقتني أقداري إلى أن استقر في العاصمة الأمريكية واشنطن منذ عام 1990 بعد عشرين عاماً قضيتها في الكويت، ولم أخرج حتّى اليوم من ثوب فلسطين المطرز بالجراح، فلا زلت ذلك الطّفل الذي يلوذ بثوبها ويمسح دموعه بعباءتها كلّما هاجمته قسوة الاغتراب ومرارة اللّجوء وشهوة الحنين.
وأنت خارج فلسطين اليوم، كيف تنظر إلى ما يحدث في غزّة الآن؟
- ما يحدث في غزّة اليوم هو نقلة نوعيّة في تاريخ فلسطين الطّويل، ويتعدى جغرافيتها إلى المحيط العربي والعالمي، ويبدو أنّ ما يحدث هو مأساة في ما يتعلق بالبعد الإنساني، أمّا إذا نظرنا إلى الحدث وما بعده، فهو مصيري أعاد البوصلة لمركزيّة هذه القضيّة، والتي اعتبرها أكبر مظلوميّة في العصر الحديث. وبالتأكيد هناك ثمن ونزيف مستمر ولكن مآلات ذلك سوف تكون في صالح الشّعب الفلسطيني أوّلاً، وفي صالح شعوب أخرى على المدى البعيد، هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى التّشاؤم في المدى القصير، ولكن هناك أسباب أكبر تدعو إلى التفاؤل على المدى البعيد رغم تعدد الخسارات الآنيّة، وفي وسط هذا الصّمت العالمي والعربي الرّهيب.
بمن عبرت من التجارب الفنيّة العربيّة والعالميّة حتّى أبدعت وامتلكت روحك الفنيّة الخاصة؟
- تأثرت على الصّعيد الفني العالمي بالرّسام جاكسون بولوك من المدرسة السّورياليّة الانطباعيّة وأيضاً بالواقعيّة في عصر النّهضة، أمّا من حيث الفنانين العرب، فتأثرت بإسماعيل شموط وبرهان كركوتلي من فلسطين. وفي مجال الحروفيات التّشكيليّة، فقد تأثرت بالتّونسي نجا المهداوي وعمر أرميس من ليبيا.
هل تقف رؤيتك للفن عند حدود المدارس التّشكيليَّة المعروفة؟
- لا، فكلّ فنان له رؤيته الخاصة التي هي نتيجة لتأثره بعوامله وعوالمه الدّاخلية والخارجية الكثيرة، والتي تولد كناتج طبيعي لقدراته وثقافته والمؤثرات المختلفة الموجودة حوله، ولكن يجب على الفنان في مرحلة تسبق النضج الفني أن يتخلص من كلّ تلك المؤثرات ليصبح هو المتفاعل، وهو المؤثر بما يقدّمه.
لك تجربة في الفن التّشكيلي الرّقمي الحديث، كيف تنظر إلى هذا الفن، وهل هو موت للفنّ كما يقولون؟
-الفنون الرقمية هي نتيجة طبيعيّة لتقدّم البشريّة في التّكنولوجيا ولست ضدّها أبداً، فهناك من يقول بموت الفن، ولا أرى في ذلك توصيف دقيق لأنّ الموهبة والمعرفة البشريّة هي الأساس والفن الرّقمي هو أداة لترجمة الرّؤية، فالرّؤية هي الأهمّ أمّا اِيضاح هذه الرؤية من ناحية فنية كالرّسم مثلا فهذا يتطلب مهارة تقنية في استخدام الوسائل المتاحة وما إلى ذلك، وهذه المهارة هي جانب واحد من العمل الإبداعي، فهناك الكثير من الأمور المهمة في تنفيذ العمل الفني ولكن العنصر الأهمّ هو الخيال الذي هو نتاج طبيعي لرؤية الفنان وتفاعله مع ما حوله بأيّ طريقة فنيّة كان هذا التّفاعل، لكنّ المهم هو ما يولد عنه من نتاج فني وإبداعي مؤثر.
ما هو الجانب الذي ركزّت عليه أكثر من غيره في القضيّة الفلسطينيّة؟
-أنا أركزّ في أعمالي الفنيّة على الجانب الإنساني في القضيّة الفلسطينيّة، فهذه الحالة تختزل الكثير من التّناقضات في عالمنا الآن، وهناك من يقوم بعمل يرتكز على الناحية السياسيّة أو المجتمعيّة أو الإعلاميّة، وكلّ هذه الأبعاد مترابطة وهناك من يتقن ناحية ما، واعتقد أنّ الناحية الإنسانيّة وترجمتها فنيّاً غاية في الأهميّة ويحضرني رأي المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد - وهو مفكر وموسيقي- والذي يعتبر مثال على التّعدد الثّقافي حين قال: “البعد الإنساني في هذه القضية لم يعط حقه خاصّة إذا ما نظرنا إلى عالميّة القضيّة”.
كيف تولد فكرة اللوحة لديك؟
-الفكرة هي تلبية لحاجة مُلحة وضاغطة كما لو أنها تريد أن تولد من الخيال بصعوبة فيصبح الإنسان/الفنان تحت ضغط يدعوه أن يبدأ عندما تصل الفكرة حدّ النّضج، أمّا من حيث كيف تولد، فاعتقد أنّ هناك مؤثرات عدّة كصورة على شاشة التّلفاز أو مقطع موسيقي أو كلمة تقال أو جملة تُقرأ أو رائحة أو فكرة تعبر لذكرى ما، فكلّ تلك المحفّزات تشعل الخيال وبشكل فجائي فتولد الفكرة أو شرارة التّفكير فيها، ثمّ يبدأ العمل المضني في التّصور والخيال يبقى أن أذكر أنّ الفنان مسكين فربمّا تنظر إلى صورة له فلا ترى ملامح أعماله، ولكنّه في واقع الأمر بحار في سفينة النّفس والعقل يعيش في بحر متلاطم الأمواج.
حدثنا عن نشاطاتك الفنية؟
- أقمت العديد من المعارض الخاصة، وأعمالي معروضة في العديد من المتاحف وتمتلكها الكثير من المنظمات الدّولية في جميع أنحاء العالم. كما تمّ اقتناء أعمالي من قبل العديد من جامعي الأعمال الفنية في العالم.