مخاطر الانسحاب الاجتماعي على المراهقين

ولد وبنت 2024/09/16
...

  رندة حلوم


لماذا يتوجب على الأسرة أن تخصص وبشكل تلقائي ومستمر وقتاً ومساحةً كافيةً للحوار والتعاطي بين أفرادها؟

الجواب يكمن في قول المفكر الألماني “هابر مس” :  “إن أفضل قيمة أخلاقيّة في عصر العلم والتّقانة هي الحوار «

و لكن هذه القيمة، وعلى أهميتها تبقى هي القيمة الغائبة وبقوة عن أغلب المجتمعات في عالمنا اليوم، لذلك توجّب على الدول أن تعي ما عليها تداركه في عصر عاصفة التكنولوجيا والتقانة، وحرب المنصات المجهزة عالميّاً، كي تملأ وقت  الجميع من الصغير إلى الكبير بمختلف الأعمار، وطوال الوقت، فعن قصد عمد مشغلو تلك البوابات إلى سلب طاقة الفرد وبوتقتها في اتجاهات مؤتمتة ومعدّة للسيطرة على العقل والسلوك الفردي من أجل التّحكم بهما ومن خلالهما، وهو الأمر الذي يؤثر في المجتمعات، وويل للمجتمعات التي لم تع بعد أن غياب الحوار والتعاطي بين أفراد البيت الواحد سوف يجعل هؤلاء الأفراد يميلون إلى التعاطي مع الخارج وعبر الفضاء الإلكتروني من دون أن يضطر أي منهم إلى الخروج من غرفته حتى، لأنّ الفرد كما هو معلوم كائن اجتماعي وهو بحاجة إلى الحوار والتواصل مع الغير بشكل فطري، لذلك هو يلجأ إلى التعاطي الالكتروني البديل عن التعاطي الأسري الغائب، وأخطر ما يكون عليه هذا التعاطي البديل عندما يلجأ إليه المراهقون كبديل عن الحوار

المغيّب.

ولهذا التعاطي أبواب مختلفة منها منصات الألعاب المعروفة عالمياً – والتي قامت تركيا مؤخراً بخطوة جريئة عندما حظرت أشهرها عن( ١٥ مليون) مستخدم من المراهقين والأطفال لأسباب تتعلق بالسلامة النفسية لهؤلاء- وتحت قائمة التعاطي البديل أيضاً تندرج وسائل التواصل الاجتماعي، وبوابات الانترنت ولن نبالغ عندما نقول : بأن هذا التعاطي غالباً سيكون مسموماً، إن لم يكن خاضعاً للرقابة

 والتقنين.

 وهنا وبعد وقت طويل من الانسحاب الاجتماعي للأبناء والاكتفاء بما يتلقونه من الخارج، قد يلاحظ الأبوان وبعد فوات الأوان تغيّراً في سلوك الأبناء نحو الأسوأ، وربما ابتعادهم عن عادات وتقاليد مجتمعاتنا وأعرافنا وديننا، وهناك حالات وأمثلة كثيرة لا بد أن كلّ واحد منّا صادف واحدة أو أكثر من هذه الحالات المختلفة الشدة، ولا سيما أن هناك من يتربص بأبنائنا عبر هذه البوابات ويتعمد  “أدلجة” أفكارهم والتأثير فيهم، وربما قد يصل الحال بالبعض من الأبناء إلى الانخراط في جماعات ذات فكر متطرف أو منحرف تتحكم بأفكارهم وسلوكهم، أو قد يقعون ضحية للمبتزين والمنحرفين أخلاقياً وفكرياً وجنسياً، ما يجعلهم يقعون بين فكي الشر من دون أن يتلقوا أي مساعدة من المحيط الذي يجهل ما هم فيه، وذلك نتيجة انسحابهم

 منه.

إذن علينا أن نبعد الأبناء عن هذا الخطر الذي يتعدى الفرد إلى الأسرة ويتعدى الأسرة إلى المجتمع، فيهدم مجتمعات ويغيّر من شكلها على المدى البعيد، ما يقودها إلى فقدان الهوية، فغياب الحوار بين أفراد البيت الواحد يسبب انزواء كلّ فرد من هذا البيت إلى شاشته الصغيرة أو الكبيرة أو المتوسطة أو العكس، فالعلاقة عكسية بين السبب والمسبب، لذلك كان غياب  الحوار هو أهم أسباب الانسحاب من الوسط الأسري و “التعاطي المسموم” مع الخارج عبر البوابات المتاحة إلكترونياً، والسؤال المطروح هنا وبقوة، هل يتوجب على الحكومات حجب وحظر بعض هذه البوابات التي تتحكم عن بعد بالعقل والسلوك لليافعين والشباب؟  أم الحل يكون من داخل الأسرة، التي يقع على عاتقها فتح بوابات من التعاطي الإيجابي الموجه بحرص ومودة وانتقاء، وعودة التواصل بين أفراد البيت الواحد على سابق عهده قبل طوفان التكنولوجيا، أم الحل يكون بتعاون الحكومات والأفراد لضبط معايير مجتمعاتنا الأخلاقية والمعرفية من أجل الحفاظ على الهوية لتلك المجتمعات وذلك من خلال إيجاد بوابات تشبهها وتحت إشرافها وسلطتها، حفاظاً على الشباب من التعاطي الإلكتروني المسموم .