الحدائق الجيولوجيَّة.. ثروات العراق المنسيَّة

منصة 2024/09/29
...

 عماد الطيب

ظهر مفهوم الحدائق الجيولوجيَّة وأهميتها في أدبيات علم الأرض والجغرافية كمفهوم شمولي يعرف "بأنها منطقة جغرافية واحدة موحدة، تتم إدارة المواقع، والمناظر الطبيعية، ذات الاهمية الجيولوجيَّة الدولية، بمفهوم شمولي، للحماية، والتعليم، والتنمية المستدامة.

تستخدم هذه المناطق، تراثها الجيولوجيّ، فيما يتعلق بجميع الجوانب الأخرى، للتراث الطبيعي، والثقافي للمنطقة، لتعزيز الوعي  والفهم للقضايا الرئيسية، التي تواجه المجتمع. مثل الاستخدام المستدام للموارد، والتخفيف من آثار تغير المناخ، والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية. ومنعا لتدهور أو زوال الحدائق الجيولوجيَّة". وفيما أعلنت الأمم المتحدة عام 2013 أن يكون يوم السادس من تشرين الأول من كل عام هو اليوم العالمي للتنوع الجيولوجي للحيلولة وتفادي زوال الكثير من المعالم الجيولوجية. ودعوتها إلى حمايتها من خطر الانقراض، وإدارتها إدارة مستدامة، لتحويلها إلى معالم جاذبة للناس، لتشجيع السياحة الجيولوجيَّة. لاسيما أن استثمار تلك المعالم يوفر فرص عمل للسكان المحليين والارتقاء بالجانب الاقتصادي للمنطقة. مما ينعكس إيجابا على تشجيع السكان على ادامة تلك المعالم وحمايتها. والعراق زاخر بالمعالم الجيولوجية – الطبيعية لكن لم يستثمرها بشكل علمي واقتصادي. وتعود فكرة الاهتمام بالحدائق الجيولوجيَّة إلى عام 1992، في قمة الأرض التي عقدت في ريو دي جانيرو، حيث وافقت العديد من الدول على اتفاقية التنوع البيولوجي  (CBD) لحماية الأنواع النباتية والحيوانية، ومنع تدهور النظم البيئية الطبيعية، والاستخدام المستدام للموارد البيولوجيّة لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية. وهناك النصف الآخر من الطبيعة، "النصف المنسي غالباً"، غير الحي وهو ما نسميه التنوع الجيولوجيّ. ولكن بعد قمة الأرض، لاحظ العلماء والمختصين في علوم الأرض فقدان وتدهور المظاهر الجيولوجيَّة المهمة وبدؤوا في استخدام مصطلح "التنوع الجيولوجي" لوصف الطبيعة اللا أحيائيَّة .


تنوع جيولوجيّ في النسيان

يقول عضو الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة وعضو مجموعة التراث الجيولوجيّ العالمية الدكتور عقيل الزبيدي إن "الطبيعة زاخرة بمعالم جيولوجيَّة، خاصة في العراق لو أجريت عليها ادامة فستكون منتجعات سياحيّة، ومن الممكن زراعتها وتكون عنصرا جاذبا للحيوانات"، مبينا أن "الحدائق الجيولوجيَّة ثروة منسية في العراق. لاسيما أنه يمتاز بتنوع في التضاريس، حيث لا تسير أرضه بخط بياني مستو، ففي الشمال عند جبال حصاروست يبلغ ارتفاع الأرض بحدود ثلاثة الاف وستمئة متر فوق سطح البحر، وأقل من صفر في الفاو. وهذا التنوع منح العراق معالم جيولوجيَّة وطبوغرافيّة من جبال ووديان عميقة وكهوف وهضاب وسهول وأنهار وروافد وبحيرات فضلا عن وجود صخور ومتحجرات وخزانات نفطية وجبال التوائية ساهم ذلك 

في تنوع جيولوجي غني". 

ودعا الزبيدي إلى وضع خطط استثمارية حقيقية من قبل الحكومة العراقيّة، لاسيما ونحن نعمل على حديقة جيولوجيَّة في كهوف الطار وعين التمر وهن بحاجة إلى دعم مادي، لاسيما أن تلك الكهوف يوجد فيها فالق أرضي "كسر" في القشرة الأرضية بعرض 24 كم وطوله من هيت إلى نكرة سلمان بحدود 244 كم. وتمتد على طول هذا الفالق عيون مياه من ضمنها منطقة عين التمر التي تضم 20 عين ماء طبيعية. كما تضم المنطقة كهوفا طبيعية بكثافة عالية في هضبة كربلاء قريبة من كهوف الطار. ومن المحتمل أن تلك الكهوف كان يسكنها الإنسان القديم. حيث توجد كهوف طبيعية واصطناعية حفرها الإنسان القديم. ويضيف أن "كهوف شانيدر في محافظة أربيل مهمة عالميا بعد العثور على 11 هيكلا عظميا قديم لإنسان النيادرتال وتفاصيل أثرية درست من قبل علماء أجانب، مما دعا إلى انشاء معالم سياحيّة فيها. وبعد 

المسح الجيولوجيّ من قبلنا لذلك الموقع توصلنا إلى أن الموقع يصلح أن يكون موقعا اثريا عالميا". 


لائحة التراث العالمي

وذكر الزبيدي أنه أسهم في كتابة ملف أهوار جنوب العراق على لائحة التراث العالمي، ويتأمل أن تكون الاهوار يوما ما موقعا سياحيا وثقافيا. لكن الظروف البيئية والمناخية اثرت على طبيعتها بعدما أصابها الجفاف. ومن الممكن ترشيح عين التمر وكهوف الطار لتكون على لائحة التراث العالمي، ولكن هي الأخرى تشكو من الجفاف. على الرغم من أنها تشكل مؤشرا طبيعيا بالانتقال من فترة مطريّة رطبة إلى جافة لاسيما أن الخسفات الجيولوجيّة، إضافة إلى وجود وديان عميقة يمكن أن تصبح منطقة ذات غطاء نباتي كثيف وعامل جذب للطيور والحيوانات.  

وتابع أن هناك موقعا جيولوجيا آخر مهما يمكن أن يكون معلما سياحيا يقع في منطقة الكعرة شمال مدينة الرطبة يمتاز بتنوع جيولوجي مهم وبيئات طبيعية تشجع على التنوع الحيواني بالمنطقة. كما وتمتاز منطقة انجازه في جبل حمرين التي تقع على شارع بغداد - كركوك بتنوع جيولوجيّ كبير.  


الخسفات الأرضية

ويؤكد د. معتز  الدباس من جامعة بغداد على وجود العديد من الحدائق الجيولوجية المتنوعة التي يمكن استثمارها اقتصاديا وحمايتها بيئيا. ويشير إلى كنيسة الكصير في كربلاء التي تعد من المعالم السياحيّة الاثريّة الجاذبة للسياح تعاني هي 

الأخرى من الاهمال، فضلا 

عن قصر الاخيضر. 

من جهته، يقول الباحث الدكتور جواد كاظم مانع من قسم علم الأرض التطبيقي في كلية العلوم بجامعة بابل:  هناك سمات أساسية للحديقة الجيولوجيَّة لكي تصبح المنطقة حديقة جيولوجيَّة عالمية تابعة لليونسكو. إذ تم تحديد المعايير الدقيقة  للمنطقة المرشحة لتصبح حديقة جيولوجيَّة عالمية تابعة لليونسكو وفق المبادئ التوجيهية التشغيلية للحدائق الجيولوجية العالمية لليونسكو. إذ  يجب أن تتمتع المنطقة بتراث جيولوجي ذي قيمة دولية. ويتم تقييم ذلك من قبل مختصين علميين، كجزء "فريق تقييم 

الحدائق الجيولوجيَّة العالمية التابع لليونسكو". استنادا إلى الابحاث المنشورة التي تمت مراجعتها من قبل النظراء والتي أجريت على المواقع الجيولوجيَّة داخل المنطقة، حيث يقوم المختصون العلميون بإجراء تقييم مقارن عالمي لتحديد ما إذا كانت المواقع الجيولوجيَّة تمثل قيمة 

دولية.