حاوره: سامر أنور الشمالي
الأديب المصري (محمد عاشور هاشم) صاحب تجربة خاصة في المشهد الأدبي، لقد توجه بكتاباته إلى القارئ الصغير، واليافع أيضاً، وقد تميز في هذا المجال حتى حصد العديد من الجوائز الكبيرة، رغم أنه توجه في بعض كتبه للكبار أيضاً. وحول هذه التجربة الأدبية التي تستحق الاهتمام التقينا صاحبها (عاشور) بمناسبة فوزه بجائزة (كتارا) في مجال أدب الأطفال.
*نلت مؤخراً جائزة كتارا في مجال أدب اليافعين. ماذا قدمت لك هذه الجائزة في هذه المرحلة من عمرك الإبداعي؟.
**جائزة كتارا واحدة من أكبر الجوائز الأدبية في العالم العربي، والحصول عليها يعد خطوة مهمة في مسيرة أي كاتب، وبالنسبة لي كانت تمثل حلماً ظل يراودني لفترة طويلة، وشاركت في دوراتها السابقة لأكثر من مرة إلى أن وفقني الله وحصلت عليها مؤخراً، وهي بالتأكيد تعد اعترافاً ضمنياً بأن ما أقوم بكتابته قد يلقى بعض القبول وقد يكون به قدر من التميز الشيء الذي يجعلني أواصل العمل على مشروعي الإبداعي ببال مستريح إلى أن ما يبذله الكاتب من جهد وعناء سوف يلقى في النهاية التقدير والقبول الذي يستحقه ما يجود به مداد قلمه.
*كتبتَ لليافعين، وحققت نجاحاً ملحوظاً في هذا المجال، لماذا اخترت هذا النوع من الكتابة رغم قلة من يكتب فيه؟.
**الحقيقة أنني أكتب للأطفال منذ سنوات طويلة، وكانت كتاباتي في البداية موجهة للمرحلة العمرية المبكرة نسبياً، وكتكملة لمشروعي الإبداعي بدأت مؤخراً في كتابة روايات اليافعين، وهو مجال لا يبعد كثيراً عن الكتابة للأطفال، كل ما حدث أنني تركت الطفولة المبكرة وتوجهت بعمل أو اثنين للطفولة المتأخرة. والحقيقة أن الكاتب لا يختار ما يريد أن يكتبه بل النص يجبر الكاتب على التوجه إلى الفئة التي تصلح له، فهناك أعمال لا تصلح إلا للكبار وهناك أعمال لا تصلح إلا للطفولة المبكرة، وأيضاً هناك أعمال تصلح فقط لمرحلة اليافعين، وهو ما حدث معي عدة مرات حيث وجدت مواضيع تصلح لهذه المرحلة العمرية الدقيقة فكتبتها.
*ما مقومات هذا النوع من الكتابة، وهل نستطيع إدراجه تحت جنس أدب الأطفال؟ أم هو جنس مستقل وقائم بذاته؟.
**هي نفس مقومات الكتابة الإبداعية بوجه عام، فعلى الكاتب أن يستخدم نفس الأدوات التي يستخدمها في الكتابة عامة، غير أن هناك بعض الملامح الخاصة التي يمكن أن نهتم بها في تقديم روايات وأعمال لليافعين أهمها ملائمة الموضوع لهذه السن الحرجة، وضرورة اتصاف العمل بالتشويق والإثارة، وضرورة وجود شخصيات طريفة غير تقليدية في العمل، كما يحبذ أن نعطي لليافع مثالاً للبطل يحتذي به، ففي هذه السن يميل اليافع إلى تمثل الأبطال الذين يحتذي بهم ويتأثر وينظر للحياة أحياناً من منظورهم. والكتابة لليافعين في وجهة نظري تعد جانباً من جوانب الكتابة للأطفال، وهي تعنى بالدرجة الأولى بالأطفال من سن 12 عاماً إلى 18 عاماً.
*في السنوات الأخيرة بدأنا نلحظ الاهتمام بأدب الأطفال على أكثر من صعيد، ولكن الأدب الموجه للناشئة لم يحظَ بالعناية نفسها، فما هو السبب برأيك؟.
**السبب أننا لم نلاحظ هذه الفئة العمرية الدقيقة، ولم نهتم بتقديم أعمال مخصوصة لهم، فالكثيرون ينظرون إليهم باعتبارهم بالغين يستطيعون قراءة الأعمال المقدمة للبالغين، وهو أمر صحيح نسبياً، ولكن يجب أيضاً ألا نغفل أن لهذه الفئة العمرية اهتمامات أخرى ومواضيع يجب أن نحدثهم فيها وهو ما تم مؤخراً بتوجه الكثير من الكتاب نحو هذه الفئة العمرية المهمة بأعمالهم.
*كيف ترى واقع أدب اليافعين عربياً وذلك مقارنة مع ما يكتب في العالم؟ وأين أخفقنا؟ وبماذا نجحنا؟.
**الوضع الآن بالغ الثراء والتنوع، فهناك كتاب كثيرون أصبحوا يكتبون خصيصاً لهذه الفئة العمرية، وهناك جوائز كثيرة أصبحت تقدم للأعمال الموجهة لها وهو ما يشجع المزيد من الكتاب لأن يوجهوا أعمالهم لها. والحقيقة أننا برغم هذه الزخم الأخير إلا أننا ما زلنا في حاجة إلى المزيد من الأعمال التي تخاطب اليافعين، ونحن ما زلنا بعيدين بعض الشيء عن ما يقدم عالمياً لهذه الفئة المهمة سواء من ناحية الكم أو المضمون.
*أكثر مؤلفاتك وأكثر الجوائز التي نلتها كانت في مجال أدب الأطفال والناشئة، فلماذا لم تتفرغ لهذا المجال؟ ولماذا الإصرار على الكتابة للكبار أيضاً؟.
**الكتابة هي الكتابة، سواء للكبار أو للأطفال، وكما سبق أن قلت لك العمل هو الذي يفرض علي أن أكتبه موجهاً لفئة بعينها، فهناك مواضيع تصلح للكبار فقط وهناك مواضع تصلح للأطفال فقط وهكذا، أما التفرغ لمجال بعينه فهذا لم يخطر ببالي خصوصاً أن لدي مواضيع كثيرة تصلح لأن تقدم لكل الفئات، وليس من الصواب من وجهة نظري التحيز لفئة على حساب الفئات الأخرى, وهناك الكثير من الكتاب الذين استطاعوا أن يقدموا أعمالاً أصيلة متميزة لكل الفئات التي يكتبون لها، كزكريا تامر المبدع الكبير الذي يكتب للكبار والصغار بتميز وبنجاح كبير.
*يبدو أنك محظوظ بالجوائز فروايتك الأولى (برفقة أحمد سعيد) وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد التي تعد من أهم الجوائز العربية. كيف حققت تجربتك الأولى الروائية هذا النجاح اللافت؟.
**الحقيقة أنني لم أكن أتوقع أن تصل روايتي للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، وكان هذا مفاجئاً لي وقتها، خصوصاً أنها كانت العمل الأول، وأظن أن التوفيق كان حليفاً لهذه الرواية فالمتقدمون للحصول على هذه الجائزة الكبيرة يعدون بالآلاف، واختيارك من ضمن هذه الآلاف للوصول للقائمة الطويلة من بين هذه الآلاف لا شك أنه توفيق كبير, وقد حاولت في هذه الرواية أن أقدم عملاً متميزاً إلى حد ما، وأتمنى أن أكون وفقت في هذا.
*لا شك في أن الشاشة الملونة أبهرت الصغار، وجذبت اليافعين. كيف يمكن إقناع الصغير واليافع بإيقاف الشاشة ولو لعدة ساعات يومياً للجلوس مع الكتاب؟.
**ما تقوله صحيح إلى حد بعيد، فالطفل الآن واليافع يفضل الشاشات الملونة والحركة على الكتاب الورقي، ولكن ما زال الكثيرون منهم يميلون أيضاً للكتاب الورقي، وفي زيارة مؤخرة لي لإحدى مكتبات الطفل، فوجئت بوجود عدد كبير من الأطفال الذين يجلسون في استمتاع وفي يد كل منهم كتاب يقرأ فيه. هذا معناه أن الإقبال على الكتب لا يزال سائداً بين أعداد كثيرة من الأطفال واليافعين، وهذا ما يجب أن نغذيه ونشجعه بالدعاية المستمرة للكتب، وحثّ أولياء الأمور على تعويد أبنائهم على قراءة الكتب الورقية والابتعاد بهم ولو قليلاً عن الشاشات الملونة. ولنا مثال جيد في ذلك في الغرب، فرواية مثل رواية (هاري بوتر) النسخة الورقية بالذات لاقت إقبالاً كبيراً من الأطفال بمختلف ميولهم، فقرؤوها باستمتاع بالرغم من أنها تعد رواية ضخمة موزعة على أجزاء عدة، ولكن لأنها كانت نموذجاً لما يريده الطفل واليافع لذا أقبلوا عليها وقرؤوها بنهم واستمتاع، وهذا ما يجب أن يستفيد منه القائمون على نشر الأعمال الموجهة للأطفال في الوطن العربي وكذلك الكتاب وكل مهتم بذلك.