سامي نسيم.. الناطق بصوت الأهوار

ثقافة 2024/10/02
...

سامر المشعل

ربما مقطوعة موسيقية بدقائق معدودة تعمر اطول من عمر مؤلفها، أو تتجاوز حاجز الزمن لتنتقل من جيل لآخر.. في هذه اللحظة يرتسم في مخيلتي طيف الموسيقي سامي نسيم وهو يحتضن عوده، وبين كل مقطوعة يعزفها يتحدث بوجهه الباسم عن الثقافة الموسيقية، التي كان يتمنى أن تشيع بالمجتمع وفي التربية المدرسية، كون الموسيقى والاستمتاع بها تساعد الطالب أن ينجح في دروس الرياضيات والفيزياء والكيمياء.. وتزيد من مساحة البهجة والسلام وتحد من مساحات القبح والعنف.
ولد نسيم بالقرب من موطن الحضارة الأولى، حضارة سومر، وهو يعتز بانتمائه إليها، في قرية أبو الذهب التابعة إلى قضاء الرفاعي، من عائلة فلاحية، كانت طفولته وسط هذه الاجواء القروية، وهو يعيش في أحضان الطبيعة، أخذ يصغي للمغنين وهم يترنمون بأصواتهم الشجية بالأطوار الريفية، فيرهف السمع لهذه الاصوات الساحرة التي تنتقل إليه من المزارع المجاورة، فلم يكن في القرية مذياع أو تلفزيون، لتنتقل العائلة إلى مدينة الرفاعي، ومن خلال مراكز الشباب تعلم العزف على آلة العود بشكل سريع في منتصف السبعينيات، وهو في الصف الثاني متوسط.
أول مقطوعة موسيقية عزفها كانت للموسيقي علي الامام، وهي صولو عود في اغنية " هلوا واحنه نهل " للفنان فاضل عواد.
انجذب نسيم للالة العود وراح يتمرن ويستخرج الانغام المتناسقة، دخل معهد الفنون الجميلة في البصرة مطلع الثمانينيات وبعد سنتين انتقل إلى بغداد وتخرج من المعهد، ليكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة، صارت آلة العود لا تفارقه، حتى عندما يلتحق بالعسكرية يأخذ العود معه ويعزف بالملجأ وسط دهشة واستمتاع
الجنود.
أثناء دراسته في معهد الفنون الجميلة في بغداد، انضم إلى الفرقة النغمية التي يقودها الفنان فاروق هلال، الذي قال عنه "جاءنا علي امام جديد "، كونه متأثراً بالموسيقي الكبير علي الامام، ويعد نفسه محظوظا، لأنه تتلمذ على يد الموسيقار غانم حداد، الذي هو احد تلامذة الشريف محيي الدين حيدر مؤسس مدرسة العود العراقي ومعهد الفنون الجميلة بالعام 1936.
ابرز مؤلفاته الموسيقية هي: ليل الصوفية، شناشيل، من وحي قيثارة سومر، ما بين النهرين، بكاء معاصر..". اختص المؤلف الموسيقي والباحث سامي نسيم بإظهار الأطوار الريفية في الأهوار وجنوب العراق بروحية عراقية مؤثرة وصدر له البوم " اطوار" العام 2011 ضم مجموعة من أطوار الريفية مثل الحياوي، المحمداوي، الشطراوي، الصبي..". لم يتأثر سامي نسيم مثل الآخرين بالموسيقى التركية أو المصرية أو الغربية، إنما غاص في التراث العراقي واهوار الجنوب، ليكون عوده ناطقا، فصيحا بالاطوار الريفية المهملة
موسيقيا.
الكتبي ستار محسن صاحب دار سطور قال " أنا استحضر كل مقطوعات سامي نسيم وأنا التقي نهر دجلة كل صباح قبل أن اذهب إلى عملي".
عجل المرض الخبيث، الذي أصاب الموسيقي نسيم برحيله المبكر، لكن ترك لنا سيرة معطرة بجمال الروح والعطاء الموسيقي الثر.