رشاد أبو شاور.. وداعاً يا ذكرين

ثقافة 2024/10/06
...

  سلوى عباس

الإبداع حالة من حالات النضال الإنساني يعمل على رفع الوعي لدى الناس، لتغيير حياتهم نحو الأفضل، وكثيرة هي الإبداعات التي تعرفنا على جوانب حياتية لأشخاص لهم أحلامهم وآمالهم في مستقبل مشرق بعيداً عن التعقيد، والأديب والروائي رشاد أبو شاور الذي لملم أوراقه منذ أيام ورحل إلى عالم قد يجد الطمأنينة فيه أكثر من عالمنا هذا..
 ينظر للحياة بكل تفاصيلها على أنها تجارب يعيشها الإنسان عبر اختلاطه بالناس واكتشاف الحياة، حيث تتطلب التجارب منا الاستيعاب والفهم والمقارنة واتخاذ الموقف الصحيح الذي يحفظ إنسانيتنا، وقد تشابهت تجاربه مع تجارب الناس بتناقضاتها وتعرجاتها ومحطاتها، فكل محطة مر بها تركت آثارها عنده، ولكل تجربة قيمتها وفائدتها ومضارها.
بدأ مشوار رشاد أبو شاور مع الكتابة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، ولم يتوقف عن العطاء على مدار العقود التالية حتى رحيله، وقد تنوعت كتاباته بين القصة القصيرة والرواية والمقالة والمسرحيّة، كما كتب للكبار وللأطفال، وكتب في الفكر والسياسة والثقافة، قريباً من فلسطين مؤمناً بحريتها وتحريرها رغم كل الخيبات، وعن كتاباته يقول: "عندما أكتب عن الفلسطيني وقضيته، فأنا لا أتعامل من منظور إقليمي إذ لا بد أن يكون الوعي والانتماء هما الأرضية التي انطلق منها في الكتابة، فعندما أكتب عن غربة الفلسطيني وشعوره بالقهر في المطارات وعلى الحدود والمطاردات، فأنا أكتب عن الإنسان العربي الذي تدمره وتستبد به وتسرق حياته وتهينه وتضربه في وطنه وتفقده طاقاته قوى مريضة تكذب وتضلل"·
في أحد حواراته يتحدث أبو شاور عن الكتابة والمثقف والحرب على وطنه، فيقول: "حياتنا شديدة الغنى، أستغرب من الذين يكتبون رموزاً وفلسفة وأشياء من هذا القبيل متعالين عن الواقع، ليس لهم علاقة به، ومشكلتنا أن الكثير من الروائيين والقصاصين العرب يتعالون على الواقع، وأنا من الكتّاب الذين لا يتعالون على الواقع، من خلال الحكاية أصل للفلسفة، وتقول الفلسفة نحن أناس شرقيون والقص الشرقي عندنا جميل جداً وهو مفعم بالفلسفة والأمثال، والكاتب يجب أن يكون مثقفاً غير عادي وأصيلاً وصادقاً ومستعداً لدفع ثمن كل هذه الأشياء معاً".
خلّد الروائي رشاد أبو شاور بلدته "ذكرين" برواية صدرت عن دار الآداب في بيروت عام 2016 بعنوان: "وداعاً يا ذكرين" ثم أُعيد إصدارها في عام 2022 عن الهيئة العامة السورية للكتاب في دمشق وعلى غلاف الرواية نقرأ: "شغلتني على امتداد أعوام، بل عقود، منذ اتخذت الكتابة خياراً، الرغبة بكتابة عمل روائي يقدم للقارئ العربي مسبّبات نكبة العرب في فلسطين، ليس من قبيل التاريخ الجاف، ولكن عبر تقديم حياة ومعاناة العرب الفلسطينيين، الذين خاضوا الانتفاضات، والإضرابات والثورات، في فلسطين (سورية الجنوبيّة) كما كانت قيادات تلك الثورات توقع بلاغاتها بها".
وتحيي روايته "وداعاً يا ذكرين" ذاكرة المكان والروح والوطن كوجه آخر للصمود والمقاومة، حيث يحمل عنوانها القرية التي ولد فيها بمنتصف حزيران عام 1942.
لقد شكل الموت خارج فلسطين هاجساً مرّاً عند أبو شاور، حيث يكثر الحديث في كتاباته عن المنفى والمعاناة والموت بعيداً عن فلسطين وكيف يرى أنَّ "الحياة هي ثقافة وشعور بالكرامة والانتماء"، أيضاً من الملفت في كتابات الأديب أبو شاور أنه يغلّفها بحالة من السخرية تمثل وجهاً آخر للألم، إذ يرى "السخرية سلاح من أسلحة الفقراء، والمظلومون يلجؤون إليه في أوقات الشدّة، والاستبداد، وانغلاق الآفاق، وتجبّر الحكام، لذلك هي سلاح مقاومة، وأنا ككاتب عربي فلسطيني تعلّمت في مدرسة السخرية الشعبيّة، في المخيمات، احتجاجاً على حياتنا غير اللائقة، أي رفضاً لها، وهذه السخرية مهّدت دائماً لهبات الاحتجاجات، والتظاهرات، وفورات الغضب".
في أيامه الأخيرة دوّن أبو شاور بعض العبارات التي تعبر عن هواجسه تجاه ما يحصل من كوارث في وطنه والمنطقة ككل، ومن العبارات التي دوّنها عبارة مفادها: "غزة اليوم ليست فقط ساحة حرب، بل هي قبر مفتوح للعالم الذي يشيّد جداراً من الصمت على وجع شعبها، سأرحل قريباً، لكنني أحمل يقيناً بأن هذا الجدار سيتحطم ذات يوم على يد من لا يخافون الموت من أجل الحياة". هذه العبارة تعكس قلقه العميق على مستقبل غزة وتنبؤه بالموت الذي يخيّم عليها، كما تعبّر عن استشعاره لقرب نهايته الشخصية وسط هذه الأوضاع الكارثيّة.
رحل رشاد أبو شاور في يوم استثنائي حافل بالحزن والوجع على استشهاد سيد الشهداء وأنبلهم السيد حسن نصر الله، وجاء خبر رحيله ليتوّج هذا الحزن بوجع آخر، فلترقد روحك بسلام الأديب والروائي رشاد أبو شاور، وما نتمناهُ أن يكون إرثك وإرث مبدعينا الكبار منارة تهتدي بها أجيال اليوم لتستمر مسيرة الإبداع بكل التميّز والبهاء لأزمان مديدة.