لم يكن الصِدامُ المسلح بين أميركا وإيران وارداً باحتمالات عالية كما هو عليه اليوم بعد إسقاط الإيرانيين طائرة تجسس مسيرة أميركيَّة قرب مضيق هرمز، قالوا عنها إنها اقتربت من مياههم الإقليميَّة وقال عنها الأميركان إنها تطيرُ فوق المياه الدوليَّة.
هذا وبغض النظر عن تحديد المكان الذي تحلقُ فيه الطائرة وهي تمسحُ بطيرانها استخبارياً مساحة شاسعة من إيران، فإنَّ إسقاطها يعدُّ تطوراً خطيراً وخطوة باتجاه الحرب، إذ إنَّ القرار الإيراني بإسقاطها يمثلُ جرأة وتحدياً لأقوى دولة في العالم عسكرياً، واتخاذه لا يمكن أنْ يكون صدفة أو تهوراً من دولة وصفت بالتعقل في سياستها الخارجيَّة، لذا جاء قرار الإسقاط إذا لم تكن الطائرة قد اخترقت مجالهم الجوي لواحدٍ من أمرين، أما رغبة بتحدي أميركا وجس النبض لمعرفة ردود الفعل والذي ستكسب فيه نفعاً نفسياً على مستوى الداخل تحتاجه في معركة الحصار القائمة طويلاً، أو إنها واثقة من أنَّ الصدام المسلح حاصلٌ بالفعل وأنَّ أميركا تريدُ تنفيذه بعد فترة استنزاف نفسي لجهازها العصبي بغية الحصول على الاستجابات المطلوبة، (اضطرابات داخليَّة)، وفي هذه الحالة اتخذت إيران القرار وكأنها تريد استعجال حصول الصدام قبل إضعاف جهازها العصبي.
أما أميركا فمن جانبها وإنْ توعدت في السابق بالرد على أي فعل إيراني يؤذيها والتي يفترض أنْ تكون خططها في الرد جاهزة مسبقاً، فقد أعلنت أنها سعت الى الرد لقصف أهداف منتقاة بينها مواقع دفاع جوي ومراكز عسكريَّة لكنها ألغت الأوامر قبل عشر دقائق من تنفيذها، وحجتها في الإلغاء، احتمالات مقتل مئة وخمسين إيرانياً، حجة غير مقنعة، وفي حالتها فإنَّ تأجيل الرد ربما جاء لحسابات أخرى، فإسقاط الطائرة المتطورة بصاروخٍ إيراني يُحسب لإيران تطوراً في تقنياتها وهذا ما تريد أميركا دراسته ومعرفته بدقة كي تكون ضربتها المحتملة مؤثرة نفسياً تؤدي الغاية المتوخاة لإرهاق الجهاز العصبي، وتريد الاستمرار في خططها في الإرهاق الى حين الحصول على الوقت المناسب. كما أنَّ أميركا التي اختارت العقوبات على إيران من جانبٍ واحدٍ، يبدو أنها لم تحصل على التحالف الدولي الواسع لتأييد توجهاتها في الحرب والمشاركة في تنفيذ خططها كما هي الضرورة الدوليَّة لإدارة الصراعات المسلحة بعد مرحلة انتهاء الاتحاد السوفييتي التي اقتضت أنْ تكون جميع الحروب بتحالفات دوليَّة واسعة، وحروب العراق بين الأعوام 1991 و2003 خيرُ مثالٍ على هذا.
على هذا يمكن القول إنَّ إسقاط الطائرة الأميركية وإنْ لم تحدث فعل الصِدام المسلح الواسع بعد، لكنها خطوة من خطواته عجلت في حدوثه ليكون قصفاً أميركياً عن بعد لأهداف إيرانيَّة منتقاة تتوسعُ بالتدريج لتشمل غالبية الأهداف العسكريَّة والستراتيجيَّة، والذي سيدفع إيران بالرد بالمثل لأهداف أميركيَّة في ساحات الدول العربيَّة بينها العراق الذي سيكون في حال حصولها من أكثر
المتضررين.