وفاء البوعيسي
النفط والغاز عنصران أساسيان في التنمية الاقتصادية، للعديد من دول الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج. وقد سمحت العائدات الناتجة عن صادرات النفط لهذه الدول، بالاستثمار في مشاريع البنية الأساسية واسعة النطاق، وتحسين الخدمات العامة، وإنشاء أنظمة الرعاية الاجتماعية، التي رفعت من مستوى المعيشة لسكانها. كما مكنت الثروة النفطية، من تراكم صناديق الثروة السيادية الكبيرة، والتي تُستخدم للاستثمار عالميًا وحماية الاقتصادات الوطنية من التقلبات في الأسعار.
ومع ذلك، فالاعتماد المفرط على عائدات النفط والغاز، قد خلق ثغرات اقتصادية. ويسلط مفهوم "لعنة الموارد" أو "المرض الهولندي"، الضوء على الكيفية التي يمكن بها للدول الغنية بالموارد، أن تعاني من تشوهات اقتصادية بسبب اعتمادها على سلعة واحدة. وفي الشرق الأوسط، أدت التقلبات في أسعار النفط العالمية، إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، وعجز الميزانية، وخفض الإنفاق الحكومي خلال فترات انخفاض الأسعار، كما حدث أثناء انهيار أسعار النفط في الفترة 2014-2016ـ وقد أدى الافتقار إلى التنوع الاقتصادي، إلى جعل هذه الاقتصادات حساسة بشكل خاص للصدمات الخارجية، مما يؤثر بدوره على الاستقرار السياسي.
أدركت بعض الدول الأوسطية، العواقب الوخيمة للاعتماد على الموارد، وبدأت في استراتيجيات التنويع الاقتصادي. على سبيل المثال، تهدف خطة "رؤية المملكة العربية السعودية 2030"، إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط، من خلال تطوير قطاعات أخرى، مثل السياحة، والترفيه، والطاقة المتجددة. وبالمثل، استثمرت الإمارات العربية المتحدة بكثافة، في قطاعات التكنولوجيا والتمويل والطاقة الخضراء، للتحضير لمستقبل ما بعد النفط. وعلى الرغم من تلك الجهود، فإن التخلي عن الاعتماد على الهيدروكربونات، يظل تحديًا كبيرًا وبعيد المنال.
الاستقرار السياسي وعدم الاستقرار
كما أن للنفط والغاز، تأثيرًا عميقًا على الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط. ففي كثير من الحالات، سمحت الثروة المتولدة من الهيدروكربونات للأنظمة، بالحفاظ على السلطة السياسية، من خلال توزيع الثروة عبر شبكات المحسوبية، وبرامج الرعاية الاجتماعية. ويوضح مفهوم "الدولة الريعية"، كيف يمكن للدول التي تعتمد على عائدات الموارد، أن تتجنب الحاجة إلى فرض الضرائب على مواطنيها، مما يقلل من الضغوط من أجل الإصلاح السياسي والمساءلة. وكانت هذه الديناميكية، واضحة بشكل خاص في ممالك الخليج، حيث حافظت النخب الحاكمة، على السلطة، باستخدام عائدات النفط، لشراء الولاء السياسي وقمع المعارضة.
وبالإضافة إلى عدم الاستقرار الداخلي، أثرت موارد النفط والغاز، على الجغرافيا السياسية الإقليمية. وكانت السيطرة على موارد الطاقة والبنية الأساسية، محركًا رئيسيًا للصراعات في الشرق الأوسط، مثل الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988 وحرب الخليج 1990-1991. وعلاوة على ذلك، اجتذبت الأهمية الاستراتيجية للنفط في الشرق الأوسط، مشاركة القوى الخارجية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي سعت إلى تأمين وصولها إلى موارد الطاقة، من خلال الحفاظ على وجود عسكري في المنطقة، ودعم الأنظمة الصديقة.
مستقبل المنطقة
بالنظر إلى المستقبل، فإن التحول العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة، يفرض تحدياتٍ وفرصًا على الشرق الأوسط. فالدول التي لا تزال تعتمد على النفط والغاز، تواجه صعوباتٍ اقتصادية، مع انخفاض الطلب على الهيدروكربونات في العقود المقبلة، بسبب سياسات تغير المناخ، وصعود مصادر الطاقة البديلة. وقد يهدد هذا التحول، الاستقرار الاقتصادي للدول المعتمدة على النفط، ما يؤدي إلى اضطرابات سياسية، لأن الحكومات لن تكون قادرة على الوفاء بعقودها الاجتماعية مع المواطنين.
من ناحية أخرى، تعمل بعض دول الشرق الأوسط، على الاستفادة من التحول في مجال الطاقة، من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، أطلقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مشاريع واسعة النطاق، للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واستكشاف إمكانات الهيدروجين كمصدر للطاقة في المستقبل. ويمكن أن تساعد هذه الجهود في تنويع محافظ الطاقة، والتخفيف من المخاطر، المرتبطة بانخفاض عائدات النفط، وخلق سبل جديدة للنمو الاقتصادي.
الخلاصة
كان للنفط والغاز تأثير عميق، على الاستقرار السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وبالوقت الذي جلب فيه الهيدروكربونات، ثروة كبيرة وتنمية لبعض الدول، فقد جلب أيضًا نقاط ضعف اقتصادية، وساهم في عدم الاستقرار السياسي في دول أخرى. ومع تحول المشهد العالمي للطاقة نحو مصادر الطاقة المتجددة، تواجه دول الشرق الأوسط الآن، تحديًا كبيرًا في تنويع اقتصاداتها، والحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري. وسيكون نجاح هذه الجهود حاسمًا في خلق استقرار سياسي واقتصادي في المنطقة، في المستقبل شبه القريب.
كاتبة من ليبيا