وصلتنا ثلاث رسائل يشكو أصحابها خوفهم من الموت، تلخصه رسالة طالب جامعي بالقول: (أعاني من خوفٍ شديدٍ من الموت، وفجأة أشعر بضيقٍ في نفسي وخفقانٍ في قلبي، وأشعر أنَّ الموت سيأتيني في كل لحظة.. ما اضطرني الى أنْ آخذ أحد أصحابي معي حين أذهب الى الجامعة أو أي مناسبة اجتماعيَّة، تصور يا دكتور أنني صرت أخاف حتى من الأكل لأنْ أخاف (أغص) وأموت.. ساعدوني أرجوكم).
ولأصحاب الرسائل، ولكثيرين من قرّاء الصباح نقول:
الخوف، في مفهومنا نحن السايكولوجيين، حالة نفسيَّة تنشأ عن قلقٍ من شيءٍ يشكّل للفرد تهديداً أو خطراً، والخطر هنا يهددُ حاجة الإنسان للبقاء، لأنَّ الموت يعني فناءه. والإنسان هو الكائن الوحيد بين المخلوقات الذي يعرف أنَّه سيموت، غير أنَّ الناس يتباينون في درجة أو حدّة خوفهم من الموت، ويكونون على
صنفين:
الأول، يكون لديه خوفٌ من الموت بحدوده العاديَّة لأنَّه يراه قدراً محتوماً، وأنه نهاية كل البشر وليس وحده. والثاني، يتجاوز هذه الحدود، وبتجاوزها يصبح عصاباً أو حالة مرضيَّة شبيهة بمصابٍ بعصاب النظافة. فإنْ تغسل يديك مرتين أو ثلاثاً بالصابون، حالة عاديَّة، لكنْ أنْ تغسلهما عشرين أو ثلاثين مرّة تصبح الحالة عصاباً أو مرضاً نفسياً، متعبة لكَ وللآخرين من حولك، وكذا الحال في الخوف من
الموت.
ونوضح للجميع بأنَّ أخطر حالاته هو وسواس الخوف من الموت، أو رهاب الموت (Thanatophobia) المصحوب بقلقٍ غير طبيعي وفزع، أما من طريقة الموت كما يتخيلها، أو من عمليَّة الاحتضار، أو من فكرة الموت نفسها، تؤدي به بحتميَّة سايكولوجيَّة الى العزلة والاكتئاب تنغصُّ عليه حياته وتكون متعبة له ولأهله
أيضاً.
ولصاحب الرسالة ومن يخاف من الموت بشكلٍ غير طبيعي نقول، عليك بمراجعة طبيبٍ نفسي وهو الذي سيقرر، بعد جلسة نفسيَّة، نوع العلاج ما إذا كان دواءً، أو تقنيات استرخاء: تأملاً، تخيلاً، تنفساً عميقاً، أو ممارسة الرياضة بأوقاتٍ محددة وبغذاءٍ محددٍ أيضاً، أو بالعلاج المعرفي السلوكي؛ أي العلاج بالكلام والتعبير عن مشاعرك وأفكارك وتخيلاتك، أو الإرشاد الديني والالتزام بما
يوصيك.
ما يريحك
الشيء الجيد في هذا الموضوع، أنَّ التفكير بالموت يأتي في الغالب بمرحلة الشيخوخة، حين يدرك الإنسان أنَّ أيامه أصبحت معدودة، ومع ذلك فإنَّ تعامل كبار السن مع الخوف من الموت يكون مختلفاً، فمنهم من يتقبله ويقول: (الحمد لله حسن الختام)، وآخرون يعملون على خفضه بزيارة أضرحة الأئمة والرجال الصالحين أو الحج، أو التردد على الجامع أو الكنيسة، وهذه كلها وسائل تخدمُ خفض الخوف من الموت. وقسمٌ آخر يقول لنفسه: لأستمتع بالباقي من عمري في السفر مثلاً، أو الزواج من
صبية.
وبالمناسبة، إنَّ الساعة البايولوجيَّة في الجسم تتحسسُ قرب النهاية، فتقلل ساعات النوم حين يتقدم الإنسان بالعمر، وكأنها تقول له: لقد قربت نهايتك، وسأخفض من ساعات نومك لتستمتع، فلديك نومٌ طويل.
وعمراً طويلاً لحضراتكم.