إعداد: باقر صاحب
أوّل كاتبةٍ آسيويةٍ تفوز بجائزة نوبل للآداب لهذا العام 2024، والرقم 18 في تسلسل النساء الفائزات بأكبر جائزةٍ في العالم. إنها الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ. وأوضحت لجنة التحكيم في بيانٍ لها أن هان كانغ التي تكتب قصائد ورواياتٍ باللغة الكورية، نالت الجائزة "عن نثرها الشعري المكثّف الذي يواجه الصدمات التاريخية، ويكشف هشاشة الحياة البشرية". وقالت عضوة الأكاديمية السويدية، المشرفة على نيل الجائزة، آنا كارين بالم "إن كتابة كانغ غنيّةٌ ومعقدةٌ للغاية، وتتنوّع بين العديد من الأنواع الأدبية من خلال سردها الغنائي المُكثّف الرقيق والوحشي، بل والسوريالي أحياناً، رغم لعبها المستمر على ثيماتٍ واضحة، ولكن التنوّع الأسلوبي الكبير يجعل كلَّ كتابٍ من كتبها فتحاً جديداً أو تعبيراً جديداً عن هذه الثيمات الأساسية التي تعالجها". بينما عدّ رئيس" لجنة نوبل" أندرسن ولسون أن كانغ تعتبر كاتبةً "مبتكرةً في مجال النثر المعاصر".
تنوّع إبداعي
كانغ التي تبلغ من العمر54 عاماً، تنوّعت أعمالها بين الشعر والقصة القصيرة والرواية، فرصيدها الإبداعي؛ مجموعةٌ شعريةٌ واحدة، وثلاث مجموعاتٍ قصصية، وثماني روايات. وُلدت كانغ في 27 تشرين الثاني 1970 في مدينة غوانغجو في الجنوب الغربي من كوريا الجنوبية، وهي سادس أكبر مدينة في البلاد. درست كانغ الأدب الكوري في جامعة يونسي في العاصمة سيئول. وكانت باكورة أعمالها المنشورة خمس قصائد في مجلة "الأدب والمجتمع" في العام 1993 ثم فازت قصتها القصيرة "المرساة الحمراء"، في العام التالي، بجائزة مخصصة للكتّاب الشباب.
أصغر الكتاب الكلاسيكيين
تناولت الصحف والمواقع الثقافية فوز كانغ بالجائزة الأدبية الرفيعة، مسلّطةً الضوء على أهمّ رواياتها ومجموعاتها القصصية، فضلاً عن مجموعتها الشعرية الوحيدة. مجموعتها القصصية الأولى بعنوان "الحب في يوسو" صدرت عام 1995، وفيها تكتب عن الحبّ في مدينة يوسو الساحلية الجميلة، وعن ذكرياتها في سنوات عشرينياتها، بسردٍ غنائيٍّ حزين، تنبثق منه تلك النظرة المأساوية إلى العالم، فلفتت انتباه النقاد الأدبيين الكوريين الجنوبيين إليها، حيث قال أحدهم بأنّها "أصغر الكتّاب الكلاسيكيين في عصرنا".
بينما كانت أولى رواياتها "الغزال الأسود" 1998، التي كتب النقّاد عنها بأنّها روايةٌ واقعيةٌ عظيمة، كونها "تواجه روح العصر بتماسكٍ سردي وتفاصيل دقيقةٍ وتركيبٍ سردي لا يعاني القفزات المتكررة أو الانقطاعات غير المبررة، والصور المتوافقة والمنسجمة بعضها مع بعض"، تغوص الرواية في حكايةٍ صينيةٍ قديمةٍ عن حيوانٍ أسطوري، وهو الغزال الأسود، يعيش في أعماق الأرض، ولكنّه يحلم بالصعود إلى سطحها ورؤية ضوء الشمس، ولكنّه عندما يتمكّن من ذلك يذوب بمجرد أن تلامسه أشعة الشمس، بالطبع إن هذه الثيمة لها دلالاتٌ كبيرةٌ يتحسسها القارئ للرواية. وبعد أربع سنوات، أي في العام 2002، صدرت روايتها الثانية "يداك الباردتان" عن مخطوطةٍ لنحاتٍ مهووسٍ بصنع قوالب جبسيةٍ لأجساد النساء، في مخطوطته تلك، يتحدّث عن هوسه الفني، ما حدث أن كانغ أعادت كتابة المخطوطة في روايةٍ" غاصت فيها في مصاعب الحياة والوجود وغرزت أظفارها في جروح الحياة العميقة". روايتها الثالثة "هبّت الرياح، ارحل"، 2010 استغرقت في كتابتها أكثر من أربع سنوات، وتتحدّث عن وفاة رسامةٍ واعدةٍ في ظروفٍ غامضة، بعد أن بقيت حيناً من الزمن، بين الحياة والموت وتلتقط أنفاسها على جهاز التنفس الاصطناعي. فهي روايةٌ عن "أصل الحياة وفهم الآخرين ومحبتهم وتلك الرغبات المظلمة في دواخلنا وإعادة بناء ذكرياتنا وتلك الإرادة الصلبة للحياة". وفي روايتها "دروس في اليونانية" تتناول قصّة شابةٍ كوريةٍ تفقد قدرتها على الكلام أمام مدرس اللغة اليونانية، ويحدث انجذابٌ بين المدرس، الذي يفقد بصره، والفتاة البكماء، يوحّدهما ألم افتقاد كلّ واحدٍ منهما إلى إحدى الحواس. فضلاً عن فقداناتٍ أخرى، مثلاً فقدان الشّابّة لوالدتها وحضانة ابنها، وتشظّي المدرس بين لغتين وثقافتين. هي قصّة حبٍّ بأقصى درجات الحميمية.
السّرد المضاد
وفي روايتها "أفعال بشرية" عام 2014، تتحدّث عن شابٍ يبحث عن جثة صديقه، في خضمّ انتفاضةٍ طلابية، اندلعت عام 1980، في مدينة غوانجغو ، حيث قمعتها السلطات الكورية الجنوبية قمعاً وحشياً، ففقد فيها أكثر من 100 طالب ومدني حياتهم. تظهر الرواية "كيف تتشابك حيوات الأحياء والأموات على الدوام وكيف يتسرب هذا النوع من الصدمات من جيلٍ إلى جيل، وكلُّ ذلك بواسطة سردٍ رقيقٍ دقيق، يمكن اعتباره بحدّ ذاته قوّةً مضادّةً للسلطة القمعيةٍ". روايتها "الكتاب الأبيض"، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة "مان بوكر" الدولية للعام 2018، قصةٌ واقعيةٌ، إذ تهيمن على كانغ ذكرى أختها الكبرى التي فارقت الحياة بعد ساعتين من ولادتها. فتنطلق كانغ في رحلةٍ إلى "وارسو" تستكشف فيها كلّ ماهو بياض؛ الأبواب، الثلج، الأقمشة، ملابس الأخت، حليب الأم، الكلب الأبيض، الغيوم، القمر، الملح، وغير ذلك، كلّ ذلك في "لغةٍ شاعريةٍ تتوزّع على 65 حكايةً تحت ثلاثة عناوين فرعية: "أنا" و" هي" و" كلّ البياض".
النباتيّة
روايتها المهمة جداً " النباتية"، التي حازت فيها على جائزة مان بوكر الدولية للرواية المترجمة 2016، وتُرجمت إلى العربية بعد عشر سنوات من صدورها عام 2007، خصوصاً بعد فوزها بـ"جائزة مان بوكر الدولية" عام 2016. تروي قصّة امرأةٍ تواجه رفضاً قاسياً من محيطها بسبب رفضها أكل اللحوم، لتنزلق بشكلٍ تدريجي إلى حالةٍ من الذّهان ستقودها في نهاية المطاف إلى مصحّةٍ للأمراض العقلية، تبدأ الرواية على لسان الزوج: "قبل أن تصبح زوجتي نباتية، كانت إنسانةً عاديةً تماماً في كلِّ شيء".
حفريّات الذاكرة
في آخر رواياتها قبل الفوز بنوبل "لا أقول وداعاً" 2021 ، تعود إلى حفريات الذاكرة والوثائق التاريخية، مدمجةً بالمشاعر الإنسانية من حبٍّ وصداقةٍ وأوجاعٍ ترافقها غالباً، وهي عن "انسون" الراقدة في المستشفى، فتحاول صديقتها "جيونغها" الوصول إلى بيت "انسون" لتطعم طائرها، بحسب طلب الأخيرة، وبعد كلّ العوائق من عواصف شديدةٍ تواجهها، تصل إلى البيت، لتجد في المنزل مئات الوثائق والأوراق التاريخية، التي توثّق المجازر التي عاشتها كوريا في منتصف القرن الماضي، وقتل فيها أكثر من 30 ألف مدني لكونهم شيوعيين.