في إشكالية مفهوم النقد النسويّ

ثقافة 2024/10/15
...

  د. سمير الخليل


يعدّ النقد النسوي نتاجاً لحصيلة الحركات النسوية في القرن الماضي، وارتبط بحقل النقد الثقافي "الما بعد حداثي"، ويعدّ واحداً من أهم الطلائع النقدية، التي حفلت بها الساحة النقدية الغربية، نتيجة لجملة عوامل منها ما شهدته المعرفة الإنسانية والحركات الاجتماعية من ظهور جلي في ميدان حقوق الإنسان والحريات العامة، لا سيما "الجندر" بوصفه نزعة نحو النظر إلى المرأة عبر ثقافتها وليس جسدها، وجاءت مقولات النقد النسوي متزامنة مع حركات ما بعد الحداثة، التي تنوّعت في مقولاتها على وفق طبيعة الثقافات ومرجعياتها التاريخية والاجتماعية، وهذا التنوع فتح فرصة للنقد النسوي بأن يكون هو الآخر موضع تنوّع انسجاماً مع طبيعة المجتمعات وهويتها الثقافية، ومن هنا نجد أن هناك إشكالية في المصطلح ومدلولاته داخل الثقافة الواحدة، ويسجّل للنقد النسوي في الغرب قدراته في الاستجابة لمتطلبات الأبعاد الاجتماعية والسياسيّة والمعرفيّة في فضاء أي ثقافة، فليس هناك اتفاق حول مصطلح النقد النسوي ومفهومه ومقولاته. 

والنقد النسوي على حد قول "ايزابرجر" يمثل شكلاً من "أشكال النقد، يؤكد المسائل النسوية، وأصبح الآن [منهجاً] في تناول النصوص والتحليل الثقافي بصفة عامّة، وترتكز عناية النقد النسوي على الابداعات النسوية من أجل إظهار خصوصية المرأة المبدعة، وتأكيد قدراتها التي لا تختلف عن الرجل، و"لا يمكن إغفال اختلاف خيال المرأة عن الرجل مما يستدعي اختلاف الذاكرة النسوية عن الذكورية" كما يقول حسين المناصرة. 

وقبل الحديث عن إشكالية مصطلح "النقد النسوي" ومفهومه نذكر بعض العوامل الفاعلة في ظهوره: 

1 -  الثقافة الذكورية لاسيما في حقل الأدب تؤكد هيمنة الرجل ودونيّة المرأة في نواحي الحياة كافة، وعلى رأسها العائلية والاجتماعية والسياسية والتشريعية والأدبية. 

2 -  بنية الثقافة التي أنتجها التحيّزات الذكورية السائدة في الغرب أو في الشرق جعلت "الذكر" يتّسم بالإيجابية والعقلانية والإبداع، وتتصف الأنثى بالسلبية والرضوخ واتباع العرف والتقليد. 

3 -  مقولات النقد الأدبي والنقاد منحازة إلى النتاج الذكوري، لأنّ معاير التحليل النقدي والحكم على الأعمال تنبع من افتراضات الرجل وما فيه من نزعة تحيّز للذكر.

4 - إنّ الهدف من قيام النقد النسوي هو استيعاب النتاج الموروث والمعاصر الذي أهمله الرجل طويلا، إذ قام بدراسة أعمال نسوية إبداعية فنية وأدبية وفكرية.

نسأل الآن هل النقد النسوي خاص بالنقد الذي تمارسه المرأة فقط أم بالنقد الذي يمارسه الرجل والمرأة على حدّ سواء؟ ولعلّ هذا السؤال يجعل المفهوم هلامياً، فإذا كان النقد النسوي من نتاج الرجل والمرأة فذلك لا يجعل له خصوصية التوصيف، مع أن النقاد في الغرب اعتبروا أن أي نقد يتناول قضايا المرأة هو نقد نسوي وبذلك خرج النقد الأدبي من الباب ودخل من الشبّاك، فالنقد النسوي في مفهومي وهذا ما أثبتّه في كتابي "فضاءات النقد الثقافي" هو كل نقد تكتبه المرأة حصراً سواء أكان أدبياً أم لا، لكي يكون للتوصيف خصوصية، وكذلك الأدب النسوي إذ جعلت المناط للمبدع وليس لطبيعة الإبداع، فالنقد النسوي هو الذي تكتبه المرأة، والأدب نسوي حين تبدعه المرأة أيضاً تخلصا من إشكالية المصطلح وزئبقية المفهوم، أي الوقوف عند ما تبدعه المرأة وما تطرحه من قضاياً خاصة بالمرأة حصراً عبر إرساء صيغة التجربة الأنثوية المتميزة فكراً وشعوراً وتقويماً، وإدراكاً للذات مع تحديد سمات لغة الأنثى ومعالمها، أو الأسلوب الأنثوي المتميز في الملفوظ المجازي وبنية الجملة، ولكي أكون أكثر دقة في توضيح المفهوم أقول إنَّ النقد النسوي الثقافي "ثيماتي" في حين أنّ النقد النسوي الأدبي "فنيّ".

ولا ننسى أن نشير إلى أنّ النقد النسوي عند الغربيين يكتبه الرجال والنساء بل توجّه بعض أتباع النقد النسوي إلى "ما أسمته "أيلين شوارتز" بـ (النقد الجينثوي) أي النقد الذي يُعنى على وجه التحديد بانتاج النساء من الوجوه كافة: الحوافز النفسية (السايكولوجية)، والتحليل والتأويل وكل الأنواع الأدبية بما فيها الرسائل والمذكرات" ومحاولة إرساء صيغة التجربة الأنثوية المتميزة، ويمكن أن نعدّ الممارسات النقدية للنصوص النسوية بمثابة خطوة جديدة أثبتت للمرأة خصوصيتها الأدبية في مسيرتها الإبداعية وأجهضت صورتها السلبية في الموروث الأدبي 

والثقافي.