د. سمير الخليل
ينطلق الكاتب ستار زكم بدءاً بدلالة العتبات التي وضعها قبل المتن الحكائي لروايته "رداء العاقل"، ينطلق باتّجاه التوكيد على القيم الإنسانية الرفيعة وتمجيد الإنسان عقلاً وسلوكاً وتوجهاً ولا يخفي تعاطفه مع الفقراء والحقيقيين والنخب، لاسيما أن شخصيّات الرواية تنتم إلى الطبقة المثقفة "الانتلجنسيا" للتعمق بدور المثقّف أيام المحن والأزمان والإرهاب المنظم.
ولعلّ نظرة سريعة لسيميائية العنوان تحيلنا إلى شخصيّة إشكالية هي شخصيّة "عوفي المجنون" الذي يؤدّي دور المجنون المتابع لكل أحداث الانفجارات، ويتضح الأمر بأنّه لم يكن مجنوناً بقدر ما كان شخصيّة غامضة لتدوين كلّ شيء، وليقوم بدور الشاهد على الخراب، فالتوصيف أنه كان يرتدي رداء الجنون لتمرير مهمته، وكأنّنا نستذكر المقولة المعروفة لإرنست همنغواي من أنّ الرداء يخلق الكاهن وهي إشارة إلى العلاقة السيميائية بين الزي والمظهر الخارجي، ومحتوى الشخصيّة وميولها فهم مجموعة شخصيّات من طلاب الجامعة "علي، ورمزي، ونؤاس، وفرح، وقمر...."، إلى جانب شخصيّة "المدوّن" وشخصيّة عوفي المجنون يتناوبون على أحداث الرواية المليئة بالأحداث والإيقاع السريع.
ويتمركز الخطاب السردي في الرواية على جانب من توثيق مرحلة الإنفجارات والهجمة الإرهابية الظلامية، ففي الرواية تتعاقب أنواع كثيرة من الانفجارات ممّا يجعل النزعة التسجيليّة جليّة في البنية السردية إلى جانب توثيق الأحداث مثل حادثة غرق العبارة في دجلة الواقعة الشهيرة في الموصل، وموت، عائلة الطالبة "قمر" في هذا الحدث ومجيئها إلى بغداد لإكمال الدراسة، إذ تتعرف على "علي" الطالب بكلية الآداب، وتتوطد العلاقة بينهما، ولا يمكن إغفال الدلالة الإنسانية والوطنيّة لماهيّة العلاقة والحب بين "علي" وهو من مدينة الكاظمية و"قمر" المنحدرة من مدينة الموصل وهو ترميز التناغم المجتمعي بعيداً عن النزعة الطائفية أو الجهوية، وهذا ما أراد الكاتب إيصاله في رسالة أو عدّة رسائل في الرواية.
لكنّ هذا المحمول الدلالي على مستوى المضمون والثيمات التي تتمحور حولها الرواية كان لاب ُدَّ للكاتب أن يوظّف مجموعة من الطرائف والتقنيات على مستوى البناء الفنّي لتحقيق الموازنة بين الشكل الجمالي والمحتوى الفكري والإنساني، فمن الظواهر الفنيّة في الرواية ميل الكاتب إلى توظيف عنوانات منفصلة، إذ حمل كلّ فصل عنواناً دالاً على الأحداث وتصاعدها، منها: "أحلام فتيّة" و"رواق" و"رقص وبكاء" و "فنجان لغوه" و"اللّهيب بين العشق والموت" و"أخبار الهدهد" و"إزالة الأقنعة'، ممّا جعل الرواية تقوم على تقسيم مونتاجي لمتابعة الأحداث عبر هذا التقطيع السردي إلى جانب أنّ العناوين تقدّم إشارة اختزالية بطبيعة الأحداث والشخصيّات والأمكنة، وقد ارتكز الخطاب السردي في الرواية على تقنية أو اسلوب السرد الموضوعي لكلّ التفاصيل المرتقبة بالشخصيّات والأمكنة، والأحداث وبشكل يكتشف عن ميل التوثيق والروح التسجيلية.
يقدّم المتن متابعة للبنية العلائقية بين الشخصيّات التي تجمعها الظروف العصبية الكالحة، والواقع الملتبس بالموت والأحداث والمنعطفات العاصفة، فهناك مجموعة ذوات قلقة وعاشقة للحياة تواجه الواقع المحتدم والموت والغموض العدمي.
وتتجلى خصائص البناء الفني في اهتمام الكاتب بالوصف الخارجي والتعمّق بالأمكنة العامّة المفتوحة "الشوارع، الساحات، والجامعة، والمقهى والنوادي الترفيهية"، وميل مجموعة من الطلاب إلى مقهى "الرواق" وغيره، ويشير إلى ميلها للأمكنة التي تتسّم بالثقافة لتعميق الإشارة إلى دور المثقف في صنع الأحداث والإحساس بالمسؤولية لما يجري من أحداث وتشابك وضياع.