إياد عطية الخالدي
في ظل الانفجار الذي يشهده الإعلام الجديد، أصبح هذا القطاع جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس اليومية، حيث يتيح لهم الوصول إلى أخبار ومعلومات متنوعة، ويقدم فرصًا لتغطية أحداث قد لا تصل إليها عيون الصحفيين أو كاميرات الفضائيات. ومع ذلك، فإن غياب القواعد الواضحة التي تنظم عمله أتاح لصناع المحتوى المضلل استغلال التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، لنشر معلومات زائفة لأغراض سياسية أو إيديولوجية. وهذا التحدي يبرز بشكل خاص بين الشباب العربي، الذين يمثلون شريحة كبيرة من مستخدمي منصات الإعلام الجديد، مما يعقد قدرتهم على تمييز مصداقية المعلومات المتداولة.
وقد صنّف الاتحاد الأوروبي، في بيان نشره منتصف 2023، منصة "إكس" بأنها "صاحبة أعلى معدل في نشر المعلومات الزائفة والمضللة بين منصات التواصل الاجتماعي"، وتأتي بعدها منصة "فيسبوك" حيث
لوحظ ارتفاع أن نسبة المعلومات الزائفة تتناسب مع عدد مستخدمي هذه المنصات وجمهورها.
مع غياب التكنولوجيا العربية لردع تغلغل المعلومات المضللة، على هذه المنصات العالمية فإن ناشري المعلومات المزيفة يستمرون في استغلال الإعلام الجديد للتوسّع في نشر الدعاية السياسية والتضليل العلمي والاجتماعي التي تستهدف بشكل مباشرة صياغة عقل الشباب العربي وتوجيهه.
ويشكل خطاب الكراهية الذي تتبناه مجموعات متطرفة دينية واحداً من أكثر الأخطار على عقل الشباب العربي الذي ينجرف بدافع عاطفي للانخراط في هذه الحروب الالكترونية التي تغذي العنف والكراهية والحقد بين الشباب.
وقد أتاح الإعلام الجديد لمجموعات ايديولوجية أو عرقية أو حزبية انتاج أخبار وصور زائفة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، لتحقيق أهداف محلية، في اطار الصراعات على السلطة المختلفة، من خلال ما اصطلح عليه بالذباب الإلكتروني، لمهاجمة جهات منافسة سواء كانت سياسية أو تجارية بهدف الحاق الضرر بها.
وقد ازدادت سرعة انتشار الشائعات والأخبار الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد يجعل من الصعب على رواده التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، مما يزيد من تعرضهم للمحتوى المضلل الذي يستهدف التأثير سلبًا على تفكيرهم، وعلى ضخ عقولهم بمعلومات تعزز الانقسامات الاجتماعية والسياسية بين الشباب في المجتمعات الواحدة، وخلق بيئة من الاستقطاب بينهم.
من هنا تبرز الحاجة الملحة للتعامل مع الإعلام الجديد وتعزيز قدرات الشباب خصوصا على مواجهة التضليل وفرز الأخبار الزائفة، ونشر الوعي العلمي وتحصينهم بالثقافة والوعي للمخاطر التي تواجه المجتمعات العربية، وتقديم برامج تعليمية تستهدف الشباب لتعزيز مهارات التفكير النقدي والتأكد من المعلومات.
ويمكن للإعلام التقليدي أن يلعب دورًا مهمًا في تقديم معلومات موثوقة على منصات الإعلام الجديد، وأن يشكل حضوراً مهماً ويعمل كمنافس قوي على مواكبة سرعة هذا الإعلام وتحدياته، وفي هذا الصدد رأينا أن الفضائيات العربية والصحف والمواقع الرقمية دخلت كمنافس يتمتع بقدرعال من الموضوعية والرصانة ويستند على القيم الثقافية العربية لمواجهة إعلام التزييف والتضليل، وقد ساهم هذا الحضور بتقليص مساحة الإعلام المضلل.
وفي الواقع فإن الحكومات العربية ينبغي أن تولي عناية كبيرة للتعامل مع التحديات التي يفرضها الإعلام الجديد وهي تحديات كبيرة وخطيرة تهدد الأمن العربية وتسهم في الانقسامات الاجتماعية وتشكل خطراً متزايداً على الهوية الوطنية للشعوب.
ولقد رأينا أن الشركات التي تتحكم في وسائل التواصل، تتلاعب بخوارزميات أنظمة المنصات الرّقمية بشكل يتفق
مع توجهاتها، وقد عملت هذه المنصات على الانحياز لجانب معين ضد الآخر في
نزاعات دولية وثقافية وعسكرية في
مختلف أرجاء العالم والقصص أكثر من أن تروى، وربما آخرها العدوان الصهيوني على غزّة.