رياضات تتفوق فيها النساء على الرجال
كريستين رو
ترجمة: مي اسماعيل
من الجري لمسافات طويلة الى الرماية؛ هناك مسابقات رياضية تتفوق النساء فيها على الرجال.. ما زالت السبّاحة الأميركية «بيني لي دين» بعد أربعين سنة تتذكر مشقة التدريب وسط أجواء البرد.. كان التدريب قاسيا وهي تستعد لإنجاز سباحة تحطيم الأرقام القياسية (بغض النظر عن جنس المشاركين) لعبور القنال الانكليزي عام 1978. تقول «بيني»: «تشعر الأذرع والأرجل بالتشنج»، وتحتاج لبضع ساعات للشعور بالدفء ثانية بعد السباحة في المياه المفتوحة، ولا يكفي الاستحمام بمياه ساخنة أو تناول الشاي الساخن. رغم أن البرد كان قارسا؛ كان التغلب عليه أمرا ضروريا لنجاحها في سباحة تحطم الأرقام القياسية. القدرة على احتمال البرد الشديد واحدة من مزايا النساء في هذه الرياضة؛ إذ إن توزيع الدهون عبر أجسامهن أمرٌ يساعد على تنظيم درجة حرارة الجسم وسط الماء البارد. كما تؤمن «بيني» أن للنساء قدرة اكبر على تحمُّل المشقات.
والحقيقة أنه يمكن للنساء أن يتفوقن على الرجال أو على الأقل يجاروهن في عدد من الرياضات التنافسية؛ من الرماية الرياضية إلى الجري لمسافات طويلة. ومع ذلك، فإن الطريق نحو مزيد من الدقة في الأحكام لم يكن ممهدا، ولا تزال هناك أسئلة أكثر من الإجابات حول دور جنس المتسابقين خلال الأداء الرياضي.
مقارنةٌ خادعة
وجد «أويفيند ساندباك» أستاذ العلوم الرياضية بجامعة القطب الشمالي النرويجية ومدير المدرسة النرويجية للرياضات النخبوية أن تباين متوسط الأداء للرياضيات النخبوية بين الإناث والذكور يميل إلى الاستقرار عند معدل تفاوت بنحو 8 إلى 12 بالمئة في نتائج الأرقام القياسية العالمية لصالح الرجال. ووجدت الدراسة ان ذلك التباين يمكن أن يكون أقل بشكل ملحوظ مع رياضات مثل سباحة التحمل العالي، وأكثر لرياضات تتطلب قوة كبيرة في الجزء العلوي من الجسم.
يمكن أن يكون حقل التنافس الرياضي محكوما بالتحيز القائم على الجنس؛ إذ يجري تصنيف بعض الرياضات ذات العناصر «الجمالية» على أنها أنثوية بشكل نمطي؛ بينما تعتبر الفنون القتالية مثل الملاكمة أقل قبولاً بالنسبة للنساء في بعض المجتمعات.. ولم يشارك أي رجل في مسابقات السباحة الفنية ضمن أولمبياد باريس 2024 التي جرت فعالياتها الشهر الماضي. يشدد ساندباك على صعوبة فصل الجوانب البيولوجية والاجتماعية المساهمة باختلافات الأداء الرياضي بين النساء والرجال؛ إذ تشمل عدم المساواة فرص الوصول الى ((مستلزمات)) الرياضة، كما أن السياق أمرٌ أساسي. ولكن سباقات المسافات الطويلة التي يكون مقياسها السرعة الابتدائية وإيقاع الخطوات؛ يكون ضبط الايقاع أكثر نفعاً؛ كما يقول ساندباك: «يبدو أن النساء بشكل عام أفضل في تحديد السرعة والايقاع، كما حدث مع سباقات الماراثون». لا تقتصر القدرة التنافسية على الجانب الفسيولوجي المجرد؛ بل أيضا مسألة تكيف اجتماعي ونفسي.. وإذ يُركّز معظم الباحثين على البراعة الرياضية لدى الأطفال؛ فهناك بعض المؤشرات أن البيئة الاجتماعية المحيطة بالفتيات يمكن أن تؤثر على قدرتهن التنافسية مقارنة بالفتيان. ووفقا لإجماع علمي صدر عام 2023 عن الكلية الأمريكية للطب الرياضي، فإن اختلافات الأداء الرياضي بين الفتيات والفتيان «ضئيلة» قبل سن البلوغ، وبعدها تتسع فجوة الأداء بينهما.
الطبيعة والتكوين
عموما يجري ربط مستويات هرمون التستوستيرون بقوة وحجم العضلات لدى الرجال، إضافة الى ارتفاع مستوى تركيز الهيموغلوبين؛ وبالتالي استقبال أفضل للأوكسجين.. تلك العوامل تم ربطها بزيادة القدرة التنافسية لدى الرياضيين الرجال. فوفق تصنيف التنافس يؤثر هرمون التستوستيرون على ميل الرجال إلى المخاطرة أكثر؛ سواء مع مجال الرياضة أو خارجها. ورغم ذلك لا توجد علاقة خطية واضحة بين معدلات التستوستيرون والأداء الرياضي؛ كما تقول «ميرتنز»، الصحفية الرياضية: «لدى العديد من الرياضيين المتميزين مستويات منخفضة جدا من هرمون التستوستيرون بشكل عام».
وجدت إحدى دراسات الغدد الصماء انخفاضا بتركيزات هرمون التستوستيرون لدى ربع الرجال المتنافسين خلال 12 من أصل 15 رياضة أولمبية جرى تحليلها. تمضي ميرتنز قائلة أنه حتى لدى النساء المصابات بفرط الأندروجين (= زيادة الأندروجين «Hyperandrogenism» حالة طبية تتعلق بزيادة إفراز الأندروجينات (الهرمونات المذكرة) لدى الأنثى- المترجمة) حيث قد تصل مستويات هرمون التستوستيرون لديهن إلى المستويات النموذجية لدى الذكور؛ ومع ذلك لا يصلن لذات مستوى الأدائي الرياضي مثل الرجال.
حافة المسافات الطويلة
لعل كون نسبة الدهون أعلى لدى النساء عامل مفيد لتنظيم درجة حرارة الجسم في الماء البارد، إضافة الى تسهيل الطفو. يقول «نيد دينيسون» رئيس اللجنة التنفيذية لقاعة المشاهير الدولية للسباحة الماراثونية: «ضمن نطاقات درجات الحرارة العادية؛ يميل الرجال إلى أن يكونوا أسرع سباحة». ويمضي معقبا ان السباحين الرجال يكونون عادة طوال القامة ونحافا، ولهم مساحة جسم سطحية كبيرة؛ وإضافة لنسبة الدهون.. «تحدد المساحة السطحية كيف يتأثر الجسم بالبرودة». ترى ميرتنز أن دهون الجسم.. «يساعد فعلا في سباقات التحمُّل؛ لأنه بعد فترة من الركض تكون هي المصدر، الذي يبدأ جسمك بالحصول على الطاقة منه.. وإن لم يكن لديك الكثير منه فلن تذهب بعيدا..».
يرى ساندباك أنه مقارنة بالسباحة، قد تكون قدرة النساء على التحمل ضمن رياضات أخرى ضمن الطقس البارد أقل؛ لأن الملابس المناسبة لتلك الرياضات تساعد على تنظيم درجة الحرارة. لكن «دين» تؤمن أن أي تفوق للنساء في سباحة المياه المفتوحة مقارنة بالمسافات الطويلة يتعلق بالتكيُّف الذهني والقدرة على تحمل المشاق أكثر منه بالعزل الحراري.
عند اجراء سباقات المسافات الطويلة «ultradistance» (= ألترا ماراثون: إي سباق أطول من سباقات الماراثون التقليدية التي تزيد عن 42 كم. المترجمة) تصبح القدرة على التعامل مع عوامل متنوعة؛ من الطقس إلى الألم؛ أمرا مهما بشكل خاص.. وكلما كانت المسافة أطول؛ تقلصت الفجوة الزمنية بين إنجاز الرجال والنساء. وأظهر تحليل أُجري عام 2020 عن نتائج سباقات المسافات الطويلة أنه بعد نحو 314 كم من الركض؛ تكون النساء أسرع بنحو ستة في الألف. عموما تتضارب الأدلة عن كيفية تباين احتمال النساء للألم عن الرجال؛ والمقارنات صعبة على مستوى الرياضات النخبوية؛ كما يرى ساندباك. لكن قد تكون للنساء مزايا تفوق اخرى؛ إذ بينما ترى البحوث أنهن يتعافين بشكل أسرع بعد المجهود؛ فإن ذلك قد يعود الى انخفاض كتلتهن العضلية وإنتاج الطاقة؛ ما قد يؤثر في النساء بمرونة أكبر، مما يساعد على تقليل تصلب العضلات.
قوةٌ ذهنيَّة
تتفق الرياضية المتفوقة «كيم يي جي» مع «دين» حول أهمية اللعبة الذهنية.. فقد تنافست «كيم» (من كوريا الجنوبية) ضمن رياضة الرماية النسائية والمختلطة خلال أولمبياد باريس الأخيرة، وكانت قد سجلت بالفعل رقما عالميا بمسابقة المسدس 25 مترا للسيدات ضمن بطولة كأس العالم للاتحاد الدولي للرماية مطلع هذا العام؛ محطمة الرقم القياسي الذي سجلته مؤخرا زميلة فريقها «يانغ جين». تقول «كيم»: « إن الرماية تتطلب مجهودا ذهنيا أكثر من المجهود الجسدي.. أعتقد أنها تتعلق بالعقل والروح». وأن القدرة على البقاء هادئة تحت الضغط قد تكون مفيدة بشكل خاص للنساء اللواتي يمارسن الرماية.
تتطلب مسابقة الرماية الأولمبية لمسافة 25 مترا للرجال سرعة في اطلاق النار؛ لذا تختلف المهارة البدنية المطلوبة فيها عن منافسات النساء. وكشفت دراسة عن الرماية الأولمبية لأولمبياد طوكيو 2020 أن أداء الرجال كان أفضل خلال المسابقات ذات الهدف المتحرك، لكنه كان موازيا لإنجاز النساء للأهداف الثابتة. يشرح «كاسيو ريبيل» رئيس لجنة الاتحاد الدولي لرياضة الرماية أنه بينما تميل التركيبة العضلية للرجال لمنحهم المزيد من القدرة على الجَلَد والتحمل؛ فإن كتلة الجسم ومركز الثقل المنخفضتين لدى النساء (كمعدل عام) تتيحان لهن تحكما أفضل بالتوازن. ومضى ريبيل أن منافسات الرماية بالبندقية هي الأكثر توازنا بين الجنسين من بين أنواع منافسات الرماية الأولمبية الثلاثة.
رؤية للمستقبل
دورة باريس للألعاب الأولمبية كانت هي الأولى التي شهدت مشاركة أعداد متساوية من الرياضيين من الإناث والذكور. ومع أن الكثير من العلوم المتعلقة بالأداء حسب الجنس لا تزال غير محسومة، فإن الشيء الوحيد الواضح بالنسبة لساندباك هو أن المزيد من الأبحاث تحتاج إلى إشراك النساء.. معظم ما يعرفه علماء الرياضة عن التدريب والفسيولوجية والمعدات والملابس جاء نتيجة بحوثٍ أُجريت على الرجال. يقول ساندباك: «إذا كنت تريد تضييق الفجوة بين الرجال والنساء بشكل أكبر، فأعتقد أن إجراء المزيد من الأبحاث حول النساء بشكل عام سيكون مفيدًا للغاية». وشددت ميرتنز على أهمية الاحتفاء بإنجازات الرياضة النسائية دون مقارنتها بالضرورة بإنجازات الرجال، والحاجة لإبقاء بعض المسابقات الرياضية منفصلة حسب الجنس. ولكن رؤية النساء يتفوقن أحيانًا على الرجال في الرياضة أمر مفيد بالنسبة لها؛ كي نفهم أن أداءنا موجود ضمن طيف واسع.
بي بي سي البريطانية