تعديل قانون الصحة النفسيَّة النيابيَّة

منصة 2024/11/07
...

مقترحات
في (26 /10 /2024) أعلنت لجنة الصحة والبيئة النيابيَّة، تحركها لتشريع قانون الصحة النفسيَّة وزيادة التخصصات الطبيَّة، مبررة ذلك (بأنَّ الوضع العراقي بحاجة للقانون لوجود الكثير من الحالات النفسيَّة مع ضعف وقلة المؤسسات الصحيَّة النفسيَّة).
ولأنَّ اختصاصنا الأكاديمي هو (الصحة النفسيَّة) وقد درسّتها لثلاثة عقودٍ في الجامعات العراقيَّة ومراكز الإرشاد النفسي، ولأنَّنا أول من أسَّسَ مركزاً للصحة النفسة في العام 1998 بصحبة عددٍ من الأطباء النفسيين، وأول من أسَّسَ جمعيَّة نفسيَّة عراقيَّة في العام 2003. ولأنَّنا صاحب أشهر وأطول برنامجٍ درامي إذاعي وتلفزيوني يعنى بالحالات النفسيَّة (حذارِ من اليأس)، استمرَّ 17 سنة، واصل مهمته بعدها عبر أوسع الجرائد العراقيَّة انتشاراً (الصباح) في صفحة اسبوعيَّة أكملت الآن سنتها العاشرة، فإنَّ واجب مثل صاحب هكذا خبرة أنْ ينتفعَ بها من يعملُ لخدمة أحوج شعبٍ لها في العالم المعاصر.
وللجنة النيابيَّة الموقرة نتقدم بمقترحاتٍ لتضمينها، متفضلة، في القانون، مبتدئين القول بأنَّ العراق صار خلال الأربعين سنة الماضية مختبراً حقيقياً لعلم النفس (حروب كارثيَّة، فواجع، فقدان أحبة...) تعرضت فيها (الصحة النفسيَّة) للفرد العراقي لأقسى وأوجع الصدمات، كانت هي السبب الرئيس في تضاعف عدد حالات الطلاق والانتحار وتعاطي المخدرات.
وبهدف أنْ تكون مبادرتكم النبيلة بـ(تشريع قانون الصحة النفسيَّة) مجدية لملايين العراقيين الذين لا يزال عددٌ كبيرٌ منهم يعاني من حالات اكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. وانطلاقاً من حقيقة أنَّ المفهوم الصحيح للصحة النفسيَّة أو الصحة العقليَّة (Mental Health) لا يعني غياب الضيق أو الكرب (Distress) أو انعدام الصراع داخل الذات، بل يعني التفكير بوضوحٍ وبشكلٍ عقلاني وعلى نحوٍ منطقي مصحوباً: بالتمكن من مواجهة التغيرات التي تفرزها الحياة، وكيفيَّة التعامل مع الضغوط، والقدرة على التصدي للصدمات وتحمل وطأة الإخفاقات والفشل، والمحافظة على الاستقرار الانفعالي والاتزان الوجداني، وصولاً الى تحقيق ما أكدته نتائج البحوث الحديثة بأنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بالصحَّة العقليَّة والنفسيَّة، يتصف سلوكهم بـ: * إدراك الواقع كما هو، تقبل البيئة الطبيعيَّة والبشريَّة، النظرة الواقعيَّة الى تحديات الحياة، تحمّل المسؤوليَّة، تقييم النفس بشكلٍ متوازن، إقامة علاقات إنسانيَّة حميمة، العمل بما يتلاءم والقدرة العقليَّة، الشعور بقيمة الإنجاز وثمرة الجهد، وتعزيز الجانب الروحي بالمعنى الإيجابي للإيمان.
واسمحوا لنا أنْ نصارحَكم بأنَّ مشروع القانون المقترح صيغَ لصالح الأطباء النفسيين فقط، منطلقاً من مفهومٍ قاصرٍ يعدُّ (عيادة الطبيب النفسي) هي المكان الوحيد للصحة النفسيَّة.
ولضمان أنْ تكون مبادرتكم الإنسانيَّة النبيلة مجدية على صعيد أربعين مليون عراقي هم المحتاجون الحقيقيون لها، فإنَّنا نرجو تضمين مشروع القانون المقترحات الآتية:
1 - إلزام الأطباء النفسيين بأنْ يكون في عيادة كل واحدٍ منهم، استشاريٌ نفسيٌ متخصصٌ في الصحة النفسيَّة ولديه ممارسة في واحدٍ أو أكثر من أساليب العلاج النفسي (السلوكي، المعرفي، التحليل النفسي، العلاج بين الأشخاص..) يساعد الطبيب في علاج بعض الحالات، والتشاور معه في ما إذا كان المراجع بحاجة الى علاجٍ نفسي فقط أم دوائي فقط أم كليهما.
إنَّ تحقيق هذا المقترح ليس سهلاً، ذلك أنَّ الأطباء النفسيين في العراق ينظرون الى أساتذة علم النفس في الجامعات العراقيَّة نظرة استعلاء، وقد صارحناهم بذلك فتم في 2004 عقد اتفاقيَّة تعاون بين رئيس جمعيَّة الأطباء النفسيين العراقيين الصديق الدكتور نصيف الحميري وبيننا بصفتنا رئيس الجمعيَّة النفسيَّة العراقيَّة، غير أنَّ هذا لم يتحقق عملياً، دليل ذلك أنَّ وزير الصحة الحالي الصديق الدكتور صالح الحسناوي عيّنَ مستشارين في الوزارة من أطباءٍ نفسيين فقط، بينهم من ليس مقيماً في العراق، برغم أنَّ الجمعيَّة النفسيَّة العراقيَّة رشحت أستاذاً (بروفيسور) متخصصاً بالصحة النفسيَّة، ولم يستجب رغم عتبنا الأخوي.
2. إشاعة الثقافة النفسيَّة
يفهم من القانون بأنَّه خاصٌّ بالأطباء، وكأنَّ المسؤول عن الصحة النفسيَّة هم
الأطباء النفسيون فقط، وأنَّ علاجها يكون داخل عياداتهم فقط، وهذا فهمٌ قاصرٌ ينطلق من حقيقة أنَّ الذين يحتاجون الى مراجعة الطبيب النفسي هم القلّة، وأنَّ الكثير من الذين يحتاجون المراجعة لا يراجعون لأنهم يعدُّونها وصمة اجتماعيَّة، فالذي يراجع الطبيب النفسي هو (مخبل) بالتعبير الشعبي العراقي، ما يعني أنَّ الأهم في تحسين الصحَّة النفسيَّة للعراقيين هو إشاعة الثقافة النفسيَّة بين ملايينهم عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئيَّة
والمقروءة.
ولنا في ذلك تجربة ناجحة في الإذاعة والتلفزيون عبر البرنامج الدرامي (حذارِ من اليأس) الذي استمرَّ 17 سنة، وعبر الصحافة العراقيَّة في صفحة كاملة بأوسع الجرائد العراقيَّة (الصباح) التي أكملت سنتها العاشرة، وعبرها في عدد اليوم نتمنى عليكم الأخذ بمقترحاتها، مع خالص تمنياتنا لكم بالموفقيَّة بما يخدم شعبكم.